تخطى إلى المحتوى

سوتشي مؤتمر الخيانة، رفعت الأقلام وجفت الصحف

للأسف جاء اليوم الذي حذر منه المناضل الفلسطيني الراحل ناجي العلي وأصبحت الخيانة وجهة نظر، سنوات سبع عجاف شهدنا فيها العديد من النكسات والمؤامرات، العشرات من المطبات والانكسارات للقوى العسكرية ومثلها من المؤتمرات والتجمعات الفاشلة للقوى السياسية، ولم نصف يوماً -رغم ضغوط الكثير من الثوار- لم نصف أحداً بالخيانة، وكنا دائماً نحرص على المقاربة بين السوريين والبحث عن ما يجمعهم.

لكن عندما يأتي اليوم الذي نرى فيه البعض يلهثون لحضور مؤتمر يقول منظموه الروس بكل صراحة ووضوح أنه “ لا مكان في هذا المؤتمر لمن يطالب بالرحيل الفوري للأسد”، فليسمح لنا من ارتضوا أن يبيعوا دماء مليون شهيد سوري أن نقول لهم بكل وضوح : أنتم خونة..

أنتم خونة ليس من باب العدمية وإطلاق الشعارات، فنحن نعلم أن الصراع المحتدم حول سوريا أصبح أكبر من الثورة السورية نفسها، ولكن إن كان المطلوب من السوريين توقيع صك استسلام لبشار الأسد والعودة لحقبة أسوء من الحقبة التي تلت مجازر الثمانينيات والتي شهدت انتقام النظام المخابراتي من جميع السوريين، فلستم بحاجة لمؤتمر سوتشي الذي سيتلوه حتماً مؤتمر في حميميم ثم دمشق وإنما يمكنكم العودة فوراً إلى حضن الأسد كما عاد العشرات من الخونة قبلكم.

حوالي 1700 “خائن” ستجمعهم روسيا لتقول بأنهم مفوضون من الشعب السوري، وبكل بساطة ستملي عليهم البيان الختامي للمؤتمر، والذي سينص على أن “السوريين” اتفقوا على إنهاء الحرب، والشروع بمرحلة انتقالية تبدأ بدمج قوات المعارضة “المعتدلة” بالجيش القاتل، وتنتهي بانتخابات يشارك فيها الأسد وتشرف عليها “مخابراته” ليفوز بنسبة قد تفوق النسب التي كان يفوز بها هو ووالده المقبور.

لا تقف خطورة المؤتمر عند هذا الحد، فالروس يعلمون جيداً ماذا يفعلون، وفي ظل الشلل والتنافس المؤسف الذي يسود معسكر الداعمين الافتراضيين للثورة السورية، سيعمل الروس بكل تأكيد على شرعنة سحق الثورة السورية من خلال استصدار قرار في مجلس الأمن تحت البند السادس أو السابع لتثبيت النقاط التي سيخرج بها سوتشي، وبهذا سيصبح كل معارضي الاستسلام لبشار الأسد من عسكريين أو سياسيين “إرهابيين” في نظر المجتمع الدولي، لنرى عندها طائرات التحالف تقصف السوريين مجدداً ولكنها لن تستنثي هذه المرة أحداً ممن يعارضون تركيع السوريين وإعادتهم لحظيرة طاعة نظام الإجرام.

ولأنه ليس هناك وقت للمجاملات، فالمطلوب هذه المرة أن لا تطغى كالعادة أمراض السلبية والشعور بالعجز بالإضافة لداء الفرقة المزمنة على جهود السوريين الرافضين للاستسلام، كما أنه من الضروري أن ننتقل إلى خطوات عملية سريعة خلال هذا الشهر المتبقي على انعقاد المؤتمر، علها تكون نواة لعمل سوري مشترك يشكل أملاً لهذا الشعب المظلوم الذي خذلته النخب:

– أناشد جميع الفصائل العسكرية الثورية على امتداد التراب السوري، أن تطرح خلافاتها جانباً وتجتمع على كلمة واحدة في رفض هذا المؤتمر وتخوين كل من يشارك فيه بالمطلق.

– أناشد مختلف التجمعات والهيئات والشخصيات المعارضة خارج سوريا، والرافضة للتوجهات الاستسلامية التي يمثلها سوتشي، أن تبادر مباشرة لتشكيل “جبهة رفض” يجمعها ردُّ أي شكل من أشكال الحلول السياسية التي لا تتضمن بشكل واضح ولا لبس فيه رحيل بشار الأسد ومنظومته الأمنية عن الحكم قبل أي حديث أو تفاوض، وتتحرك ضمن هوامش التناقضات الدولية مع الجهات الغير مرتاحة من سيطرة الروس على الملف السوري ولكنها تبحث عن طرف معارض عاقل وقادر على المناورة.

-كما أتوجه إلى الدول التي نتشارك معها خطر التغول الإيراني في المنطقة أن تحيد الملف السوري عن خلافاتها، وأذكر بالتحديد إخواننا في المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر، فقيادات هذه الدول هم الأكثر دراية بأن سيطرة طهران على سوريا من خلال إعادة تثبيت نظام الأسد تعني أمراً واحداً وهو أن عواصم تلك الدول أصبحت بشكل مباشر في مرمى الاستهداف الإيراني، والسوريون الذين قبلوا أن يسددوا بدمائهم ثمن الدفاع عن الأمة العربية والاسلامية مستعدون للمضي في معركتهم حتى النهاية ولكنهم بحاجة إلى وقفة حازمة وجادة من إخوانهم العرب والمسلمين.

قد يكون مؤتمر سوتشي من أخطر الفصول التي تستهدف إطلاق الرصاصة الأخيرة على رأس الثورة التي أنهكوا جسدها، لكنه قد يشكل من جهة أخرى مناسبة لاستعادة الصواب، والابتعاد عن تضييع الفرصة تلو الأخرى في طريق توحيد قرار هذا الشعب الذي أنهكته الفرقة والفصائلية المقيتة.