تخطى إلى المحتوى

الثورة.. نجمةُ كلِّ عامٍ جديدٍ

أحداث كثيرة عشناها، حُفرت بداخلنا وأثّرت في حياتنا، وآلامٌ ألمَّت بنا، تركت ندوباً لا شفاء لها.

كثيرةٌ جراحاتُ هذه الثورة التي لا بلسم لها؛ جوع وموت وحصار وتهجير ومجازر لا تتوقف.

موجُ بحرنا ثقيلٌ، وليلنا بهيم، نحمل حيثما مضينا حلمنا الكبير ونضالنا وصدى هديرِ أرضنا؛ كلماتنا وأفعالنا.

رغم كل التيه والخسران، ثمة شيء في حياتنا نتمسك به؛ مزيج من الخوف والحزن والترقب والفرح، نتمسك به لأنه معنى وجودنا، فنكتب عنه وله وليس من ذلك بدٌّ!

لا بدّ من الثورة، ننتفض من الركام، نموت ولا نعدم.. نبقى، نقاوم، ونقاتل، نكتب، ونصوّر، نرحل، ونودّع..

عام جديد يُقْبل على السوريين في هذا العالم.. السوريون الغائبون الحاضرون السائرون في البلاد البعيدة، عام جديد يُقْبل بلا تحركاتٍ تُوقف المذبحة ولا معجزات تنشر الضحكات.

وبينما تشع نجمة العام الجديد تتشابه أيامنا في سوريا، فلا وقت لدينا لتاريخ جديد! قضى الكثيرون في سوريا هذه الليلة؛ خوفاً من القصف وهرباً من الموت.. وقضاها كثيرون في سرير بارد وملجأ مظلم.

نبكي بينما يغني الآخرون في العالم الآخر، تثقب موسيقاهم آذانَنا.

في صورة أخرى، يعاني السوريون في دولٍ قسوةَ اللجوء، وشدةَ الغربة، تتشابه همومهم ويتشاركون الأمنيات، فاجتماع أفراد العائلة كلهم في بيت واحد مرة أخرى، من أكثر الأمنيات إلحاحاً!

يُقْبل العام الجديد ومئات الآلاف من المعتقلين في السجون، يعلو ابتهال أمهاتهم ضجيج الصمت وصلواتهم تهز الكون، يقبل العام وندفن الموتى فوق الموتى، ونسجل المزيد من الإصابات ويتشردون، ونرحل كشرذمات من يتامى، ونبكي عندما يغني الآخرون.

لعل استمرار الأحداث الدامية التي تجري في سوريا، وتجدُّد المؤامرات، وخيانة الأصدقاء لثورتنا وتخاذلهم، احتلال روسيا وإيران، كل المؤتمرات السياسية توحي بأن هذه الثورة انتهت وهذه اللوحة السوداء باقية.

إلّا أننا مجدداً، نجدد هذا العام عهدنا القديم بأن نبذل أغلى ما لدينا فداءً لتراب البلاد الأحمر، وإن كنا سائرين في العالم البعيد، وإن كانت صورنا كئيبة، وإن ضيَّقوا علينا، فلا سكن لنا حتى باتت تفاصيلنا الصغيرة هموماً.. نجدد عهدنا القديم ونظل سفراء للثورة وروحها.

نجدد العهد؛ لأن السعي الذي لا ينتهي لا يُعوَّل عليه، ولأننا لا نملك رفاهيةً غير المضي نحو مصيرنا المحتوم الذي ننتمي إليه وخُلقنا لأجله، وندعو الله أن يُنجز سعينا ويحقق آمالنا المعلقة.

ولأن قدر الثورة الحرب الطويلة، والأعداء لا ينتهون، فالمجد لمن لا يهدأ عاماً بعد عام، صوته لا يزال حيّاً يهزّ الطغاة الذين يغتالون مدننا ويأسرونها، يؤكد لنا قدرتنا على التغيير وأننا نستحق أن نحيا بكرامة وحرية.