تخطى إلى المحتوى

فرنسا تسعى لمحاكمة ثلاثة مسؤولين سوريين رفيعي المستوى

في خطوة نادرة تبشر بمرحلة جديدة، حول موضوع العدالة  في سورية، أصدر قضاة فرنسيون، في أيلول/ سبتمبر 2018، مذكرات توقيف بحق ثلاثة مسؤولين سوريين رفيعي المستوى في الاستخبارات.

المسؤولون الثلاثة مطلوبون في ما يتعلق باحتجاز رجلين فرنسيين من أصل سوري واختفائهما، وهما: مازن دباغ وابنه باتريك. ألقى عملاء المخابرات الجوية السورية القبض عليهما، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، واحتُجزا في مطار المزة العسكري.

أُخطرت عائلة الدباغ مؤخرًا بأن مازن وباتريك تُوفيا في الحجز، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 ويناير 2014 على التوالي.

لقد تركت الحرب السورية مسارًا مظلمًا من الموت والدمار. وتشير التقديرات إلى أن عدد الأشخاص الذين اختفوا منذ آذار/ مارس 2011 بلغ أكثر من 95 ألف شخص، ويُعتقد أن أكثر من 80 ألفًا منهم قد اختفوا قسرًا على يد النظام السوري. وقد مات العديد منهم في الحجز، بسبب التعذيب الوحشي في السجون الحكومية ومراكز الاعتقال سيئة السمعة.

أصدر القضاة الفرنسيون مذكرات توقيف، بحق اللواء علي مملوك، وعبد السلام محمود، وجميل حسن.

ولد اللواء علي مملوك في دمشق عام 1946، ومملوك هو اسم مألوف في القمع السوري الذي استخدم لسحق الانتفاضة الشعبية في سورية.

شغل مملوك منصب مدير المخابرات الجوية بين عامي 2003-2005 وترفّع في الرتب خلال أواخر حكم حافظ الأسد وصعود بشار إلى السلطة. وفي عام 2005، عيّنه الأسد رئيس إدارة المخابرات العامة، خلال فترة اتهام سياسي بعد اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه اغتيلَ على يد النظام.

تعرف منظمات حقوق الإنسان علاقته بالإشراف على الترسانة الكيمياوية السورية واستخدامها ضد السجناء السياسيين في سجن تدمر، بين الأعوام 1985-1995.

في أعقاب تفجير “خلية الأزمة” في دمشق في تموز/ يوليو 2012، تم تعيين مملوك مديرًا لمكتب الأمن القومي، ليحل محل هشام بختيار الذي قضى متأثرًا بجروح أصيب بها في التفجير.

ميشال سماحة، وزير الإعلام اللبناني السابق، اعترف بتلقي أموال من مملوك لاغتيال شخصيات سياسية لبنانية. وأصدر المسؤولون اللبنانيون مذكرة توقيف بحق مملوك، في 4 شباط/ فبراير 2013.

في عام 2015، سرت شائعات بأنه كان يخطط للانشقاق، ووُضع تحت الإقامة الجبرية. كانت هناك شائعات أيضًا حول حالته الصحية تقول إنه كان على فراش الموت في مشفى في دمشق. ولدحض هذه الشائعات، زار جدة، في المملكة العربية السعودية ومسقط في سلطنة عمان، كما زار روما، إيطاليا، في أواخر شباط/ فبراير 2018، متخطيًا عقوبات الاتحاد الأوروبي، في آواخر أيار/ مايو 2011 التي فرضت حظر سفر عليه وتجميد أصوله، بسبب علاقته بتهم استخدام العنف ضد المتظاهرين السوريين المناهضين للحكومة.

عُيّن عبد السلام محمود مديرًا لفرع المخابرات الجوية في عام 2010. وهو متورط في قتل مدنيين سوريين، ومن بينهم ضحايا مذبحة صيدا في نيسان/ أبريل 2011، ومنهم حمزة الخطيب، وهو صبي يبلغ من العمر 13 عامًا، حيث تم تشويه جسده بعد اعتقاله، وأصبح فيما بعد رمزًا للثورة السورية ووحشية النظام ضد المتظاهرين. يخضع محمود لعقوبات الاتحاد الأوروبي منذ عام 2012.

ولد جميل حسن في بلدة القرنيه في ريف حمص، سورية عام 1952. عُيّن مديرًا لجهاز المخابرات الجوية في عام 2009. قبل ذلك، ترأس فرع المخابرات الجوية في شرق سورية خلال عام 2009 وعمل كمسؤول في المخابرات الجوية في مطار المزة العسكري منذ عام 2007.

يرتبط اسم حسن ارتباطًا وثيقًا بالقمع العنيف للاحتجاجات في عام 2011. وقد نُقل عنه ذات مرة اقتراح، في تصريح صحفي نادر، أنه ينبغي على بشار أن يستنسخ نفس التكتيكات الوحشية التي استخدمها والده في مذبحة حماة في الثمانينيات.

وفي حزيران/ يونيو الماضي، أصدرت ألمانيا أيضًا مذكرة توقيف دولية بحق حسن. وذكرت صحيفة دير شبيغل الألمانية أن الادعاء اتهمه بالإشراف على الجرائم التي ارتكبها الأمن السوري، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والقتل لمئات الأشخاص بين عامي 2011 و2013.

هل مذكرات الاعتقال هذه رمزية؟

محمد العبد الله، الناشط في مجال حقوق الإنسان، والمدير التنفيذي لمركز العدالة والمساءلة السوري، قال لـ (أصوات عالمية) Global Voices: إن هذه المذكرات بمثابة أداة للضغط على مسؤولي النظام:

هذه المذكرات رمزية إلى حد ما. إنها أداة ضغط أكثر من وسيلة للملاحقة الجنائية، واحتمال أن يزور هؤلاء المسؤولون الثلاثة أوروبا غير مرجحة. قد يجادل البعض بأن المذكرات/ أوامر الاعتقال سوف تقلل من دورهم في مستقبل سورية وتضع حدًا لحياتهم السياسية، وأن المفاوضات سوف تستبعدهم من المواقع الأمنية خلال المرحلة الانتقالية. ومع ذلك، لا توجد ضمانات بأن هذا ما سيحدث. حتى الآن، هذه الآراء مجرد أمنيات.

سورية ليست من الدول الموقعة على ميثاق روما، وبالتالي فإن المحاولات للإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية قد تم نقضها مرارًا من قبل روسيا والصين -وهما يمتلكان حق الفيتو في مجلس الأمن، كما أنهما حلفاء أقوياء للأسد- مما يعيق إمكانية التحقيق في جرائم الحرب في سورية وتقديم الجناة إلى العدالة.

لم يبق لعائلات الضحايا سوى خيارات قليلة، خارج نطاق السلطة القضائية، تُعرّف بأنها القدرة القانونية للحكومة على ممارسة السلطة القانونية خارج حدودها الوطنية. ناشطون سوريون وعائلات الضحايا يقيمون قضايا خارج سورية في بلدان إقامتهم، ومنها ألمانيا والسويد وفرنسا.

في آب/ أغسطس 2010، اعتمد البرلمان الفرنسي قانونًا يعطي المحاكم الفرنسية صلاحيات قضائية بشأن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تُرتَكب في بلد آخر. بموجب القانون الفرنسي، من الممكن مقاضاة ومحاكمة أي مُشتبهٍ فيه على الأراضي الفرنسية بتهم التعذيب. لذلك، يمكن لضحايا التعذيب والاختفاء القسري تقديم شكوى لدى المدعي العام الفرنسي بغض النظر عن بلد إقامتهم.

ومع ذلك، فالأمل يتضاءل في الحصول على العدالة والتعويض. في تموز/ يوليو 2018، أصدرت الحكومة السورية إخطارات وفاة بالمعتقلين السياسيين بمعدلات غير مسبوقة، ونسبت سبب الوفيات إلى “النوبات القلبية”.

قد تقلّص مذكرات الاعتقال حالة الضعف في ما يخص مواجهة ضحايا الحرب السوريين. إن المساءلة أمرٌ حاسم في دعم سورية التي مزقتها الحرب، ويأمل كثيرون أن تكون هذه المذكرات خطوة جريئة في هذا الاتجاه.

موقع جيرون – ماريا مطر

الوسوم: