لا تكاد تذكر الفرقة الثالثة، إلا وتذكر معها اسم “شفيق فياض” أحد أهم أركان نظام حافظ الأسد.
تطوع “فياض” في الجيش العربي السوري، وكان اختصاصه “شؤون فنية”، وقد تدرج في المناصب القيادية، وعلى الرغم من أن الاختصاص المذكور لا يؤهله لاستلام تشكيل مدرع أو مشاة، فقد تم تجاوز هذا الأمر باعتبار أن الشخصية هي موالية لحافظ الأسد حتى النخاع.
تسلم قيادة “الفرقة الأولى” مع وصول حافظ الأسد إلى الحكم مطلع عام 1970، إثر الانقلاب على الرئيس “نور الدين الأتاسي”، ثم انتقل ليتسلم قيادة “الفرقة الثالثة” دبابات، حيث بقي قائداً للفرقة حوالي عشرين عاماً حتى العام 1993، حيث انتقل ليتسلم قيادة “الفيلق الثالث” الذي تم إنشاؤه في “القطيفة” قرب قيادة “الفرقة الثالثة” ثم عين نائباً لوزير الدفاع وبقي حتى العام 2003، ثم تم تسريحه وتعيينه بمنصب فخري هو مستشار القائد العام ليحصل على ميزات ومنح إضافية.
الحاكم بأمره في منطقة القلمون
نتيجة طول فترة خدمته وسلطته في منطقة “القطيفة” وضواحيها، أصبح هو الحاكم الفعلي في تلك المنطقة، ونكاد نجزم بأن سلطته هناك كانت أقوى من سلطة أي من فروع مخابرات النظام أو الشرطة أو حتى القضاء.
وكان معروفاً أنه كان يتدخل حتى في مجريات المحاكم وملفات القضاء فيما يخص أبناء تلك المنطقة.
استثمر خيرات قرى تلك المنطقة الممتدة من “الناصرية” شرقاً ومن “النبك” شمالاً حتى حدود “الضمير” جنوباً حتى يقال إنه أقام دولة داخل الدولة.
تم إطلاق يده في تلك المنطقة كمكافأة له على مواقفه التي حمى فيها نظام حافظ الأسد من السقوط عدة مرات، لا سيما دوره في مجازر حماة 1982 التي راح ضحيتها أكثر من 40 ألف إنسان.
وسبق ذلك جرائمه أثناء إخماد الحراك الثوري في مدينة حلب عام 1980، حيث ارتكب عدة مجازر أبرزها مجزرة “حي المشارقة” صبيحة عيد الفطر، حين احتلت قوات “الفرقة الثالثة” مدينة حلب وقضت على ذلك الحراك بالكامل بقوة الحديد والنار.
إنقاذ حافظ الأسد عام 1984 عندما قام رفعت الأسد بمحاولة الانقلاب عليه ودخول “سرايا الدفاع” إلى شوارع العاصمة، حيث نزلت قوات “الحرس الجمهوري” وقوات “الفرقة الثالثة” للتصدي لها وإفشال الانقلاب، ونذكر هنا أن رفعت طلب من “فياض” مرافقته في الطائرة التي سيغادر بها من دمشق إلى موسكو لضمان أن حافظ لن يسقطها بعد إقلاعها في الجو بسبب العلاقة الوثيقة بينهما.
وأهم من ذلك كله هو كشف محاولة الانقلاب التي كانت تخطط بها مجموعة كبيرة من الضباط، وذلك بحكم علاقته مع اللواء “أحمد عبد النبي” الذي أفشى سر العملية وتوقيتها، حيث طلب من الأسد مقابلة فورية وعاجلة لـ”عبد النبي”.
كانت لفياض اليد الطولى زمن حافظ، فكان يسمى من قبل أقرانه بأنه صاحب الصلاحيات المفتوحة، فله القرار الحاسم فيما يتعلق بتعيين الضباط وتنقلاتهم وترفيعهم وتسريحهم.
كما كان لفياض الرأي في تعيين محافظين ووزراء وإقالتهم، وتعيين وزراء وإقالتهم، وله رأي برؤساء الحكومات، ويتدخل بقوانين الاستثمار بما يضمن له تدخلا مضمون الريع، كما كان له نصيب كبير من تعيينات أعضاء مجلس الشعب.
سرقات وقصور تعانق الفضاء:
مما أبدع به فكر ومخيلة “شفيق فياض” هو قيامه ببناء قصرين متجاورين على أعلى قمة في جبال القلمون (ارتفاع 1465 مترا) على قمة جبل اسمها “القرن”، أحدهما هدية قدمها “شفيق” إلى حافظ الأسد والآخر خاص به وعائلته، وبسبب عدم وجود طريق جيد يصل إلى تلك القمة في حينها وصعوبة وصول مواد البناء إلى هناك فقد كان يتم نقل مواد البناء والعمال إلى هناك بواسطة حوامة نقل، وهو ما أثار استغراب كثير من المقربين في حينها.
بعد استلام “بشار الأسد” للسلطة في سوريا، قام بتعبيد الطريق الواصل إلى هناك ليصبح الوصول إليهما يسيراً وسهلاً، ووضع عليهما حراسة من قوات “الحرس الجمهوري” بدلاً من حراسة “الفرقة الثالثة”، حيث كان يتردد إلى هناك بين الحين والآخر.
سرقة واستثمارات بالملايين:
بعد أن جمع “شفيق” وأسرته ثروة طائلة خلال سنوات قيادته لـ”الفرقة الثالثة”، وسيطرته على مقدرات وخيرات القلمون، قام ابنه الأكبر “علاء” باستثمار جزء من هذه الثروة في مشاريع اقتصادية كبيرة، للتماهي مع تزاوج المال والسلطة التي أنتجها نظام البعث الفاشي.
بدأ “علاء” بالاستيلاء على عشرات الدونمات الواقعة شرق طريق دمشق -حمص قرب بلدة “عدرا” مستخدماً نفوذه العسكري والسياسي، ما دفع الكثير من المالكين لتلك الأراضي ببيعها، مجبرين بأسعار زهيدة، لا تساوي جزءا بسيطا من قيمتها الحقيقية، وذلك تحت الضغط والإكراه، ليقيم عليها معملاً كبيراً للسيراميك.
تم التعاقد مع شركة إيطالية لتوريد وتشغيل المعمل، حيث بلغت كلفة المعمل في حينها أكثر من 800 مليون ليرة سورية.
تبلغ مساحة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها أكثر من 500 دونم، ولا يزال المعمل قيد التوسع حتى تاريخه.
قام ثوار الغوطة بالسيطرة على جزء من المعمل في آب أغسطس من العام /2018، حيث وجدوا بداخله مجموعة من الوثائق وجوازات السفر التي تخص عائلة “فياض” وابنة “رفعت” (زوجة علاء) و”عاطف نجيب” و”عاصم كنعان” تم عرضها على الإعلام في حينها، لكن سرعان ما تم استعادة المعمل من يد الثوار وهو الآن جاهز ويقوم بالإنتاج.
توفي شفيق فياض في 8 تشرين الأول 2015 دون أي ضجة اعلامية أو أية مراسم رسمية عن عمر ناهز 78 عاما.
المصدر : صحيفة زمان الوصل