ظهر في الآونة الأخيرة عدد من الدلائل على وجود تحول كبير في موقف معظم الدول الأوروبية حيال قضايا إقليمية هامة في منطقة الشرق الأوسط وخاصة الملف السوري، والذي كان فيه الاتحاد الأوروبي طيلة ثماني سنوات لاعباً أساسياً متسمكاً بشدة بوجوب الإطـ.احة بنظام “بشار الأسد”.
وعلى الرغم من تمسك أقوى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كفرنسا وألمانيا وبريطانيا، برفض التـ.طبيع مع نظام الأسد، إلا أنه تشير التصريحات الأخيرة لزعمائها على وجود تغير كبير في سياسات الاتحاد الأوروبي من الحلول العسكرية التي كانت ستطيح بنظام الأسد إلى البحث عن حلول سياسية للأوضاع في سوريا.
ويعتبر تجاهل الحديث عن الشأن السوري خلال القمة العربية الأوروبية في القاهرة من قبل دول كبيرة مثل فرنسا وألمانيا، دليلاً قاطعاً على إدراكهم لخطورة الملف السوري خاصةً بعد محاولتهم جس نبض مواقف بعض الدول العربية، والتي يبدو أنها ستتوجه إلى التطبيع مع نظام الأسد خلال المرحلة المقبلة.
ولعل أهم هذه الأمور بالنسبة للدول الأوروبية والتي تسعى إلى معالجتها هو مسألة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، مما جعل بعض الأحزاب الأوروبية تقوم بفتح قنوات تواصل مع روسيا ومع نظام الأسد للوصول إلى حل مقبول في هذه المسألة.
حيث تحاول الأحزاب اليمينية المتطـ،رفة في إيطاليا والنمسا والمجر، وهي دول تنتقد بشدة سياسة الهجرة الأوروبية وتقيم علاقات وثيقة مع موسكو، ترجيح كفة المحادثات مع نظام الأسد، وذلك تحت بند السماح بعودة الملايين من اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
وكان وزير خارجية إيطاليا “إينزو موافيرو ميلانيزي” قال مؤخراً أن “بشار الأسد” الذي يتهمه الغرب باستخدام أسلحة كيميائية محظـ،ورة، لا يزال من الممكن أن يكون طرفاً في الحوار، كما تحدث عن إمكانية إعادة فتح سفارة إيطاليا في العاصمة دمشق.
فيما تحدث الحزب القومي الحاكم في بولندا، إنه مستعد لتمويل بناء منازل ومدارس لمساعدة اللاجئين السوريين على العودة إلى بلدهم، ولكنه بذلك لن ينفصل عن موقف الاتحاد الرسمي القائم على عدم المشاركة في إعادة إعمار سوريا قبل بدء عملية الانتقال السياسي.
بينما تقول دول أخرى مثل السويد وإسبانيا وأيرلندا إنه من غير المنطقي الحديث عن إعادة اللاجئين السوريين إلى بيوت دمرتها الحرب، في إشارةٍ منهم إلى البدء بإعادة الإعمار قبل عملية عودة اللاجئين.
وترى فرنسا وألمانيا وبريطانيا أنه لا يمكن منح أموال لنظام الأسد بينما “الأسد” الذي يخضع لعقوبات من الاتحاد الأوروبي لا يزال على رأس السلطة.
ويقول دبلوماسيون أنه على الرغم من تجنب الأوروبيين الخوض في الملف السوري أثناء القمة العربية الأوروبية بالقاهرة، إلا أنه لن يكون هنالك مهرب من طرح هذا الملف بكل اختلافاته في الشهر القادم خلال المؤتمر الدولي في بروكسل لجمع المساعدات لفائدة النازحين السوريين.
حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للمساعدات في العالم، وإنه جعل مراراً دعمه لإعادة إعمار سوريا متوقفاً على عملية سلام تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب التي قتلت مئات الآلاف وشردت نحو نصف سكان البلاد.
وكان قد تحدث دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي قائلاً: إن “الضغوط تتزايد علينا لإعادة إعمار سوريا، ولاسيما من الروس”، حيث أنه أصبح هنالك مواقف وتصورات متناقضة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وخاصة حيال مسألة المساعدات للاجئين السوريين بسبب عرقلة الروس ونظام الأسد من وصول هذه المساعدات إلى السوريين المستهدفين، ومن المسائل العالقة أيضاً هو مسألة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من سجون الأسد، وإنهاء التجنيد الإجباري والاعتقال التعسفي ومصادرة الممتلكات من قبل نظام الأسد.
وجميع هذه التفاصيل تجعل القوى الأوروبية تقف اليوم حائرة أمام الحرب في سوريا وما تطرحه من معضلات وسيناريوهات ومتغيرات، تؤثر بشكل مباشر على السياسة الداخلية للدول الأوروبية كما على سياساتها الخارجية، مع دول الشرق الأوسط وإيران وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
مدونة هادي العبد الله