كشفت صحيفة “الشرق الأوسط” نقلاً عن مصادر فرنسية رسمية عن وجود اتصالات بين باريس وموسكو لإعادة تفعيل المسار السياسي السوري ضمن الأسلوب الدستوري.
وذكرت الصحيفة أن المسار الدولي المتفق عليه ينص على تشكيل لجنة دستورية من 150 عضواً مهمتها كتابة دستور جديد يتم إقراره لاحقاً، وعلى أساس الدستور الجديد ستجري انتخابات.
حيث يرى المقترح الفرنسي أن الطريقة المتفق عليها معقدة والدليل على ذلك أن اللجنة الدستورية لم تشكل بعد، والمسائل والخلافات اللاحقة ستبدأ مع انطلاق عملها في حال وصلت إلى هذه المرحلة.
الحل السريع في سوريا
وأوضحت المصادر أن المقترح الفرنسي الذي نقل إلى موسكو، والذي وافقت عليه الأخيرة، قوامه التخلي عن الرغبة في كتابة دستور جديد، والانطلاق من الدستور القائم، والعمل على تعديل 5 أو 6 نقاط خلافية فيه لا أكثر.
وتشمل النقاط التي يرغب المقترح بتعديلها أموراً حول تحديد صلاحيات الرئيس الموسعة وحول استقلالية القضاء وبعض مؤسسات الدولة والعلاقة مع المؤسسات الأمنية.
حيث فكرة المقترح هي هذه التعديلات الجوهرية فقط حيث يتم التفاوض عليها برعاية دولية للوصول إلى دستور معدل عوضاً عن إضاعة الوقت في صياغة دستور جديد، أما المرحلة اللاحقة فستكون التوجه إلى انتخابات جديدة نزيهة تشرف عليها الأمم المتحدة والتي تملك خبرة كبيرة في هذا المجال.
وكانت قد عرضت روسيا مؤخراً هذا المقترح الفرنسي على رأس النظام “بشار الأسد” والذي وافق عليه بحسب المصادر الفرنسية، بشرط اقتصار الانتخابات على الداخل السوري، أي بعيداً عن ملايين اللاجئين السوريين في بلدان الجوار وفي أوروبا، ما يعني أنه يريد أن يتأكد سلفاً من أنه سيتم انتخابه مجدداً في عملية ستوفر له شرعية جديدة.
إلا أن كافة الدول الغربية تتمسك بقيام الذين خرجوا من سوريا من الإدلاء بأصواتهم في عملية تقرير مصير بلادهم والمشاركة في هذه الانتخابات.
حيث من شأن هذا الشرط الذي وضعه “الأسد” أن يفشل المقترح الفرنسي الذي كان غرضه الخروج من الطريق المسدودة التي آلت إليها محاولات تشكيل اللجنة الدستورية، وبالتالي محاولة إعادة إطلاق المسار السياسي المتوقف أصلاً.
رؤية فرنسية للشأن السوري
وفي سياقٍ متصل ترى فرنسا أن الجهود التي تبذل لإعادة تأهيل نظام الأسد عربياً،عن طريق إعادته إلى الجامعة العربية، هي شأن عربي داخلي، وأنها لا تسعى للتأثير عليه.
ولكن وإن كانت لا تعارض من حيث المبدأ عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، فهي ترهنه بإطلاق مسار الحل السياسي بشكل فعلي، أي أن فرنسا لا تريد أن تكون هذه العودة مكافأة مجانية لنظام الأسد، أو أن ينجح بوتين في هذه المهمة من دون أي مقابل.
وأفادت مصادر أخرى بأن الغربيين «يعون أن الوضع في سوريا قادم على إعادة خلط الأوراق بعد تعديل الموقف الأميركي المتحرك» الذي تعاني منه باريس.
إضافة إلى ذلك لاتزال فرنسا تقنع حلفاءها الأوروبيين والعرب بالمتناع عن أي تبرع أو المشاركة في عملية إعادة الإعمار في سوريا بدون أن تتوافر شروط الحل السياسي في البلاد.
حيث أن هذه الورقة الأخيرة التي تمتلكها فرنسا والدول الأوروبية في حال قررت الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من سوريا بشكل كامل، الأمر الذي لو حصل فإنه سيترك الساحة خالية لروسيا وإيران وتركيا.
ولذلك سعت فرنسا طوال الأشهر الفائتة إلى الضغط على الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لتعديل موقفه من الانسحاب الشامل لقواته وهو ما حدث، ولعل إبقاء 400 جندي أمريكي في شمال سوريا سيشجع فرنسا على المساهمة في الإشراف على المنطقة الآمنة التي تريدها وشنطن والتي لم تظهر ملامحها أو حدودها حتى هذا الوقت.
مدونة هادي العبد الله