تخطى إلى المحتوى

أسباب محبة السوريين لجيش العزة وتاريخ تشكيله وتطوره

ظهرت في خضمّ الثورة السورية منذ انطلاقتها العديد من المجموعات الثورية التي آلت على نفسها حماية المدنيين وتحرير القرى والمدن السورية تباعاً من سيطرة نظام الأسد، وقد تكونت نواة معظم هذه المجموعات من عدد من الضباط والجنود المنشقين عن جيش نظام الأسد، والذين فضلوا الوقوف إلى جوار الشعب السوري في ثوريته المحقة.

ومن بين هذه المجموعات التي تطورت فيما بعد ليكون لها شأن كبير تنظيمياً وعسكرياً بل وحتى سياسياً، فصيل “جيش العزة” الذي يتخذ من ريف حماة الشمالي مقراً له منذ بداية الثورة، إذ تطورت أحداث الثورة السورية لتصل إلى حد صار معه هذا الفصيل ومنطقته – ريف حماة الشمالي – محور كل المعارك بين قوى الثورة السورية ونظام الأسد وحلفائه.

لقد تمكن جيش العزة التابع للجيش السوري الحر من كسب حاضنة شعبية قل نظيرها في الآونة الأخيرة، واستطاع الاستمرار بالرغم من كل الضغوط التي تعرض إليها ليصبح الفصيل الأبرز في الشمال السوري، في وقت اندثرت فيه الكثير من التشكيلات العسكرية التي قطع عنها الدعم وتعرضت لضغوطات خارجية من أطراف عدة.

يقود جيش العزة الرائد “جميل الصالح” ابن مدينة اللطامنة في ريف حماة الشمالي، وهو من مواليد عام 1974، وكان قد تمكن من الانشقاق عن جيش النظام في شباط فبراير 2012 احتجاجاً على ممارسات النظام القمعية ضد المدنيين.

وما إن وصل الصالح إلى المناطق المحررة حتى بدء بتشكيل مجموعات مقاتلة صغيرة، ولكن لم يمضِ على انشقاقه شهرين حتى ارتكبت قوات النظام مجزرة مروعة في مدينته اللطامنة بتاريخ 7/4/2012 راح ضحيتها أكثر من 70 شهيداً مدنياً، ومن بين الشهداء أكثر من 5 شهداء من عائلته “الصالح” بالإضافة لتفجير منزله ومنزل أهله وعدد من أقربائه.

إقرأ أيضاً : نظام الأسد يروج لإصابة الرائد جميل الصالح وجيش العزة يرد

في تلك الأثناء عمل الرائد جميل أثناء تواجده في جبل الزاوية على توحيد المجموعات المقاتلة في لواء أطلق عليه اسم لواء “شهداء اللطامنة” إكراماً لأرواح شهداء مجزرة اللطامنة واتخذ من مدينة اللطامنة مقراً له بعد تحريرها.

ثم ما لبث أن بدأ بالتوسع وضم مجموعات وكتائب من القرى والمدن المجاورة لمدينة اللطامنة، فقام بتغيير الاسم إلى “تجمع كتائب وألوية العزة” في عام 2013 كونها تسمية شاملة تبتعد عن المناطقية، والذي بدء عمله في كافة مناطق تواجده، ليعلن أخيراً عن تشكيل جيش العزة عام 2015 بعد اندماج عدة فصائل امتدت من ريف اللاذقية إلى ريف حلب وريف حماة وإدلب.

أدركت قيادة جيش العزة مبكراً أن العمل المنظم أساس النجاح، فحرصوا على أن يقود الضباط المنشقين عن جيش النظام العمل العسكري للفصيل، وعملوا على تأسيس مؤسسة عسكرية مصغرة تضم عدة مكاتب واختصاصات ولكل مكتب مهامه الخاصة، فكان اختصاص المشاة والمدرعات والقناصين والمضادات والقوات الخاصة، ويقوم على رأسهم ضباط مختصين كل حسب امكانياته وقدراته.

كما استطاع جيش العزة الابتعاد عن كل الخلافات ومسلسلات الاقتتال بين الفصائل، إذ على مسافة واحدة من الجميع، وحافظ على هدفه في إسقاط النظام وحماية المدنيين مما أكسبه حاضنة شعبية كبيرة.

دخل جيش العزة في غرفة “الموك” في عام 2015 بهدف الحصول على الدعم لتحرير الأرض، وخرج منها في عام 2017 لثبات مواقفه وعدم قبوله بالدعم المشروط بالمشاركة في مؤتمر أستانا الذي اعتبره الرائد جميل الصالح أكبر خديعة للثورة السورية وحذر مبكراً منه.

صاروخ تاو مع عناصر من جيش العزة

ثبات على المواقف

بسبب هذه المواقف الثورية الثابتة مورست على الفصيل الكثير من الضغوط، وتم إيقاف الدعم عنه إلى يومنا هذا لإرضاخ الجيش وإضعافه، ولكن بسبب التنظيم والإعداد الجيد للمقاتلين استمر الجيش بدون رواتب في وقت كانت قيادته تبحث عن تأمين الطعام والمصاريف اليومية لمقاتليها فقط، فحظي بحاضنة شعبية كبيرة، بفضل تمسكه بثوابت الثورة وأهدافها وبأنهم من الجيش السوري الحر وأن قرارهم نابع من روح الثورة دون تأثير أي دولة عليهم.

لسمعته الكبيرة وثباته على الجبهات، تمكن جيش العزة من جذب المئات من المقاتلين الخارجين من مناطق التسويات، فانضمت إليه عدة مجموعات وكتائب من مهجري حمص ودرعا وريف دمشق ودير الزور ومناطق أخرى، وكان من أبرز المنضمين لجيش العزة في بدايات عام 2018 الشهيد “عبد الباسط الساروت” أيقونة الثورة السورية برفقة 200 مقاتل من مهجري حمص، والذي استشهد مؤخرا متأثرا بجراحه في معارك ريف حماة الشمالي.

كان جيش العزة السبّاق بالمشاركة في المعارك الأخيرة التي وصفها قائده بأنها معارك “كسر العظم” للدفاع عن إدلب وريف حماة الشمالي واستطاع تشكيل غرفة عمليات بالمشاركة مع عدة فصائل تمكنت من استلام زمام المبادرة وتحقيق عدة انتصارات لاتزال مستمرة، قدم فيها جيش العزة ولايزال العشرات من العناصر شهداء على درب الثورة.

ويمكن لنا القول بلا تردد بأن “جيش العزة” هو النجم المتوج والرقم الصعب في معارك ريف حماة وإدلب التي اشتعلت مؤخراً، وأن هذ الفصيل بتنظيمه وإخلاصه وثباته كان الحجر الكؤود في وجه إجرام نظام الأسد وحليفه الروسي، وبسببه – ومعه باقي فصائل الصورة – تحطمت آمال الأسد وحلفائه بالسيطرة على آخر قلاح الثورة في الشمال السوري.

مدونة هادي العبد الله

الوسوم: