ليس جديداً التحدث حول الحقيقة الثابتة التي تفيد بوجود تنسيق وتعاون عميق جداً بين نظام الأسد وإسرائيل، تعاون وتنسيق ليس وليد اللحظة والمرحلة، بل وحتى ليس محصوراً في حقبة الأسد الابن، بل يمتد تاريخياً لبدايات ظهور هذا النظام وسيطرة عائلة الأسد على مقدرات البلاد منذ ستينات القرن الماضي.
الامر الجديد فقط هو في تفاصيل هذا التعاون والتنسيق، تلك التفاصيل التي تتكشف للجميع شيئاً فشيئاً بعد أن جاهد نظام الأسد بأقصى طاقته لإخفائها طوال نصف قرن من الزمان تحت أوهام وشعارات “المقاومة والممانعة” الجوفاء، لتأتي ثورة الشعب السوري وتكشفها بكل جلاء ووضوح.
فقد كشف تقرير صحفي مطول لموقع “انترسبت” الأمريكي عن قيام الطائرات المسيرة الإسرائيلية بدعم نظام الأسد في سوريا من خلال العلاقة المعقدة بين كل من روسيا وإسرائيل، والتي أدت في نهاية المطاف إلى استخدام الطائرات الإسرائيلية من قبل الروس لدعم قوات النظام والقوات المتحالفة معها.
بدا ذلك جلياً بعدما أسقطت إسرائيل طائرة “فوربوست” الروسية التي صممتها إسرائيل بنفسها، ويستخدمها الجيش الروسي لعمليات المراقبة والاستطلاع التي تتم في سوريا.
وكانت روسيا قد بدأت الاستثمار بشكل كبير في الطائرات المسيرة والتقنيات المتعلقة بها بعد الحرب في جورجيا عام 2008، حيث أدت الخسارات العسكرية الروسية إلى الاستثمار في هذا النوع من التكنولوجيا المتطورة التي تمتلكها الولايات المتحدة وإسرائيل، ولسد الفجوة التقنية لدى الجيش الروسي تم الاتجاه نحو إسرائيل وقتذاك.
إقرأ أيضاً : إسرائيل تضع شرطها الأساسي لبقاء الأسد في السلطة
ويقول التقرير بأنه في عام 2010 أبرمت الشركة الإسرائيلية لصناعات الفضاء عقداً وصلت قيمته لـ 400 مليون دولار، وكان الهدف منه نقل تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى روسيا.
وقال المراقبون حينها بأن روسيا امتنعت عن بيع إيران منظومة صواريخ “إس 300” لقاء قيام إسرائيل بتزويدها بالتقنيات المناسبة لتشغيل الطائرات المسيرة، وتوجت هذه العلاقة من خلال قيام ضباط الجيش الإسرائيلي بتدريب نظرائهم الروس على تشغيل هذا النوع من الطائرات.
وفي 2015 تم التوصل لصفقة بين روسيا وإسرائيل تراجعت إسرائيل بموجبها عن بيع الجيش الأوكراني عدد من الطائرات المسيرة، حيث كانت روسيا تخشى من نتائج الحرب التي يشنها الانفصاليون بدعم روسي ضد الجيش الأوكراني.

طائرات متطورة
وتعد طائرة فوربوست ذات التصميم الإسرائيلي واحدة من أهم الطائرات المسيرة التي يستخدمها الجيش الروسي وأطولها مدى، وهي طائرة ليست هجومية بل تتعلق مهامها بالاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، ويفتخر الجيش الروسي بامتلاكه لهذه الطائرة، حيث أظهرت لقطات عرضها التلفزيون الروسي في قاعدة حميميم الجوية وجود هذه الطائرات بشكل مكثف.
وأشار التقرير إلى الدور الذي لعبته في الحرب في سوريا، حيث قالت وزارة الدفاع الروسية بأنه ومع بداية الأحداث في سوريا تم تنفيذ 400 طلعة جوية بدون طيار شهرياً، وبحلول 2017 تم تنفيذ أكثر من ألف طلعة جوية شهرياً.
ويشير الاستخدام المكثف لـفوربوست إلى العلاقة المعقدة بين روسيا وإسرائيل، إذ تدعم روسيا نظام الأسد، وبالتالي ميليشيا حزب الله وإيران، ومن جهة أخرى تتغاضى روسيا عن الضربات الجوية التي تنفذها إسرائيل في سوريا.
وعلى الرغم من الخلاف الذي يبدو موجوداً بشكل ظاهري بين روسيا وإسرائيل، إلا أن علاقتهما تعمقت بسبب الحرب في سوريا، حيث انخرط كلا البلدين في صفقات أسلحة وفي وساطات لفك النزاع، مع وجود محاولات من الطرفين للتأثير على بعضهما لتحقيق مصالحهما، إلا أن التوافق بينهما كامل وتام، وكل ذلك بعلم ورضا نظام الأسد “المقاوم والممانع”.