لم يعد سراً مدى الضعف الشديد الذي وصل إليه نظام الأسد منذ قيام الثورة السورية ضده، والتي أوشكت على إسقاطه لولا تدخل حلفائه ميدانياً في اللحظة الأخيرة لإنقاذ آخر من تبقى من حطام هذا النظام الآيل للسقوط.
وبالحديث عن مدى ضعف نظام الأسد، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية بأن سيطرة “بشار الأسد” على الأجهزة الأمنية التي لديه باتت “ضعيفة ومحدودة” وذلك على الرغم من التعديلات الأمنية الأخيرة التي تعتبر الأكثر شمولاً في سوريا منذ تفجير مكتب الأمن القومي في تموز يوليو 2012.
وكانت التعديلات الأخيرة قد شملت أكثر من نصف رؤساء الأجهزة الأمنية، سواء عبر ترقيتهم أو إحالتهم للتقاعد، كما شهدت وزارة الداخلية تنقلات أخرى شملت نقل ما يقارب 50 ضابطاً.
ويعود السبب في ذلك إلى توسع هذه الأجهزة خلال ثماني سنوات من الحرب، مما تسبب بتضخم حجمها والتنافس فيما بينها على النفوذ، الأمر الذي جعلها تحدياً جديداً يواجه الأسد، وخطراً داهماً عليه ومن قلب نظامه نفسه.
إقرأ أيضاً : كاتب بريطاني يوضح أسباب تصعيد الأسد ضد معرة النعمان وأريحا
وكانت التوترات مؤخراً قد تصاعدت بين الأجهزة الأمنية من أجل الهيمنة المحلية، مما أدى إلى عمليات اعتقال ضد بعضهم البعض ودخولهم في اشتباكات مفتوحة وأعمال عنـ.ف، حيث يحاول الأسد موازنة مصالح الأجهزة المتضـ.اربة والسعي هو وداعميه للاستجابة المباشرة للأزمات عند حدوثها.
وكان بشار الأسد قد اعتمد على الأجهزة الأمنية التي أسسها والده “حافظ الأسد”، ولعبت هذه الأجهزة دوراً حاسماً في التصدي للثورة خلال سنوات الحرب، خصوصاً مع الانشقاقات التي ضربت وحدات الجيش، الأمر الذي أدى إلى توسيع صلاحياتها وخلق ولاءات وميليشيات تابعة لها، وشكّل ذلك في الوقت نفسه عامل صراع ومنافسة فيما بينها.
حيث برزت ثلاثة أجهزة أمنية رئيسية في ساحة متزاحمة جداً تتنافس المليشيات فيها على السيطرة، أول هذه الأجهزة هي المخابرات الجوية التي تمكنت من ترسيخ وجودها في حلب وحماة، مستغلة صلاتها التاريخية مع نظام حافظ الأسد، مما مكنها من الحصول على أفضل الموارد.
بينما نجحت المخابرات العسكرية – أو الأمن العسكري – بالهيمنة على الجنوب، خصوصاً بعد تعاونها مع روسيا لتحقيق ما يعرف بالمصالحة، في حين تهيمن الفرقة الرابعة بقيادة “ماهر الأسد” على دمشق وما حولها والأراضي المتاخمة للبنان، وتقوم بعمليات تهريب واسعة النطاق.
وتتنافس المليشيات الموالية للنظام في معظمها على الحواجز الأمنية في المراكز السكنية وطرق التجارة الرئيسية، حيث تحقق إيرادات مالية من خلال ابتزاز المدنيين ورجال الأعمال، كما تتنافس على المناطق الرئيسية التي كانت سابقاً خاضعة لفصائل المعارضة، حيث تمكنها هذه المناطق من ابتزاز المدنيين بشكل واسع.
ولاءات خارجية
من جهة أخرى يزداد التورط الإيراني في حجم هذه المنافسة، حيث تنسق بعض هذه المليشيات مع ميليشيا “الحرس الثوري” وميليشيا “حزب الله” والميليشيات العراقية، وتدعم إيران المخابرات الجوية، والفرقة الرابعة، وتقدم لهم ما يلزم للسيطرة على باقي المنافسين.
وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي تحاول كبح جماح هذه المليشيات عبر “الفيلق الخامس” وإعادة دمج الفصائل المعارضة ومليشيات النظام ضمن الهياكل العسكرية التقليدية، حيث يتقاضى الفيلق الخامس رواتبه من روسيا، ويتسلم مهامه من القيادة الروسية في قاعدة “حميميم” وذلك على الرغم من تبيعته اسمياً لوزارة دفاع النظام.
كل ما سبق يؤكد يوماً وراء يوم بأن ما يحكم سوريا فعلياً اليوم هو تلك الأجهزة الأمنية وأذرعها من الميليشيات ذات الولاءات المختلفة والتمويلات المشبوهة، بينما يبتعد نظام الأسد رويداً رويداً عن المؤسساتية والهيكلة النظامية، لتتحول سوريا في ظل حكمه إلى دولة مافيات وعصابات تحكم البلاد باسم “الأمن ومحاربة الإرهاب والوقوف في وجه الإمبريالية” وتلك الشعارات الممجوجة التي يرددها هذا النظام البائس منذ نصف قرن حتى اليوم.