من العجيب حقاً كيف تصر الأمم المتحدة – بوصفها أكبر المنظمات الدولية في العالم – على التنسيق مع نظام خارج عن الشرعية الدولية كنظام الأسد، بل وتصر على حصر جميع نشاطاتها الإنسانية فيه ومعه، ضمن استفزاز سافر لكل الأعراف الإنسانية بل وحتى العقلانية والمنطقية!
وفي هذا الصدد، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية بأن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” قد ناقش في نيسان أبريل الماضي حصر جميع العمليات الإنسانية الموجهة لسوريا في العاصمة دمشق، وإغلاق باقي المكاتب الإقليمية.
وقد تسبب هذا الأمر بموجة احتجاجات واسعة من الدول المانحة، بسبب تأثير هذه الخطوة على العمليات الإنسانية التي تتم عبر الحدود، وكون هذا الأمر سيؤدي حتماً للتنسيق مع نظام الأسد الفاقد للشرعية، والذي سيسعى لاحتكار هذه المساعدات الإنسانية والتحكم بها.
وتتوزع العمليات الإنسانية في سوريا بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة قوى الثورة، إلا أن سيطرة النظام المتزايدة على البلاد وتعزيز سيطرته العسكرية والإدارية، أدت إلى اختفاء المنظمات التي تعمل بمناطق الثوار.
إقرأ أيضاً : 127 مليون يورو يقدمها الاتحاد الأوربي دعماً لحاملي بطاقة الهلال الأحمر في تركيا
ونتيجة لذلك، ازدادت الأعمال الإنسانية في العاصمة دمشق لحتمية التعامل مع النظام في مجال توزيع الخدمات والمساعدات، الأمر الذي أدى إلى عمل وكالات الأمم المتحدة وحوالي 31 منظمة غير حكومية بالتنسيق مع النظام بشكل وثيق.
كما أدت هذه الخطوة إلى منع وصول المساعدات إلى شريحة واسعة من المدنيين الذين يحتاجون للمساعدات، بسبب عدم قدرتهم على الدخول في برامج المنظمات الاغاثية، كونهم في مناطق تسيطر عليها فصائل الثورة التي يمنع النظام وصل أي مساعدات إليها.
وقد أصبحت وكالات الأمم المتحدة العاملة في دمشق ملزمة بموجب القانون الدولي على التعاون مع نظام الأسد، ونتيجة لذلك لا يمكنهم العمل داخل سوريا بدون تصريح منه، ومن بين هذه الوكالات “أوتشا” التي لديها مركز في دمشق وتعمل بالتنسيق مع النظام.
مالذي يجري ؟
وقد ألزمت هذه الاتفاقيات وكالات الأمم المتحدة بالعمل مع المنظمات المرتبطة بنظام الأسد مثل “الهلال الأحمر العربي السوري” و”الصندوق السوري للتنمية”، وذلك كشرط مسبق للعمل في مناطق سيطرة النظام.
ومن بين الشروط الأخرى، منع خروج أي مساعدات إنسانية مقدمة من هذه المنظمات إلى مناطق خارج سيطرة النظام، وفي حال تمت الموافقة على ذلك، يجب أن يتم منح المساعدات عبر منظمات يعتمدها نظام الأسد.
وما لم تتمكن الأمم المتحدة من عزل العمليات الإنسانية عن القيود التي يفرضها نظام الأسد، سيتسمر المدنيون السوريون في مواجهة العوائق التي تحول دون وصول المساعدات الإنسانية إليهم، خصوصاً في المناطق التي ثارت ضد هذا النظام المجرم، والتي هي أكثر فئات الشعب السوري حاجة إلى تلك المساعدات الإنسانية في الأساس.