تخطى إلى المحتوى

اتفاق سوتشي بين التطبيق السياسي والحسم العسكري

مع استمرار التصعيد الأسدي الروسي في محافظة إدلب السورية، يكثر الحديث عن مدى تطبيق اتفاق “سوتشي” الموقّع بين كل من الرئيسين التركي والروسي في أيلول سبتمبر من العام الماضي، ويتبادل كل من الطرفين الاتهامات بأن الطرف الآخر لم يلتزم ببنود هذا الاتفاق، فما هو هذا الاتفاق وماهي بنوده بالضبط؟

يتألف اتفاق سوتشي من عشرة بنود، تم تنفيذ جزء ضئيل منها، بينما لا يزال الجزء الأكبر معلقاً بلا تطبيق، بينما تسعى روسيا لتطبيق بعض البنود بالقوة ومن جانب واحد فقط ووفقاً لوجهة نظرها الخاصة، معتمدة على تفوقها العسكري وعلى ادعائها بشرعية وجودها على الأرض السورية بطلب من “نظام أسد”.

وفي الوقت ذاته تتجاهل روسيا كل المصالح التركية التي وقعت عليها بموجب الاتفاق، بل وتطلق العنان لربيبها المدلل – ألا وهو نظام الأسد – بالاعتداء كيفما اتفق على كل تواجد تركي على الأراضي السورية، بحجة الشرعية أيضاً.

ويرى مراقبون بأن روسيا تسعى من خلال التصعيد الأخير في إدلب إلى تطبيق اتفاق سوتشي بالطريقة التي تريدها وحسب تفسيرها الخاص، أو فرض حقائق جديدة على الأرض تدفع لإعادة التفاوض مع تركيا لتعديل الاتفاقية بشروط جديدة تكون لصالح الطرف الأقوى عسكرياً على الأرض، ألا وهو نظام الأسد ربيبها وحليفها المدلل.

إقرأ أيضاً : روسيا تنقلب على تركيا في إدلب وتعتبر ماحصل في خان شيخون انتصار

ولعل أهم بند من بنود الاتفاق كان الإبقاء على إدلب منطقة خفض تصعيد، وأن تبذل روسيا جهودها لضمان وقف هجمات النظام، وهو ما لم يطبق فعلياً، حيث تعرضت المحافظة لهجمات متقطعة بعد الاتفاق، ولاحقاً لهجوم متواصل منذ نيسان أبريل الماضي حتى اليوم، خلف آلاف القتلى والجرحى من المدنيين، بالإضافة إلى قرابة مليون نازح.

كما نص أحد البنود على تحصين نقاط المراقبة التركية واستمرار عملها، لكن هذه النقاط التي تحصنت بالفعل بالسواتر الاسمنتية تحولت إلى هدف لهجمات متتالية لنظام الأسد الذي بات يستسهل استهداف التواجد التركي في سوريا، رغم أنه يأتي في إطار التفاهمات مع روسيا في اتفاقيات آستانا وسوتشي.

بوتين وأردوغان
بوتين وأردوغان

وتعرضت الكثير من النقاط لهجمات صاروخية خلفت قتلى وجرحى من الجيش التركي، كان آخرها يوم أمس، بتعرض محيط نقطة المراقبة التركية الثامنة لضربات جوية، بعد أيام من تعرض رتل عسكري تركي كان في طريقه لنقطة المراقبة التاسعة لضربات جوية أعنف منعت وصوله وسمحت بمحاصرة النظام للنقطة التاسعة.

وعلى الرغم من أن روسيا تعهدت بموجب الاتفاق باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان تجنب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على إدلب، والإبقاء على الوضع القائم، إلا أنها قادت الهجوم الأخير بشكل مباشر وأرسلت قواتها البرية الخاصة للعمل على الأرض إلى جانب دعمها الجوي الكامل للنظام.

حجج واهية

وفيما يتعلق بالمنطقة منزوعة السلاح، وعلى الرغم من التزام تركيا بإقامتها في مناطق المعارضة، لم تطبق روسيا ذلك في مناطق سيطرة النظام، وحاولت فرض تسيير دوريات روسية في تلك المنطقة، وهي الآن تقوم بفرض تواجدها العسكري المباشر بفعل العملية العسكرية الأخيرة، وسط مؤشرات على نيتها فرض المنطقة مجدداً وعلى عمق أوسع.

وعلى الرغم من أن بنود الاتفاق لم تكن واضحة حول عمق المنطقة منزوعة السلاح وامتدادها في كل من مناطق المعارضة والنظام إلا أن روسيا أصرت على تطبيق عمق 20 كيلومتراً في مناطق المعارضة، دون أن تتعرض لأي تفصيل بشأن عمقها أو طبيعتها في مناطق النظام.

وبينما سحبت الفصائل سلاحها الثقيل من أغلب تلك المنطقة، لم يسحب النظام أي قطعة سلاح من مناطق سيطرته، وبالإضافة إلى كل ذلك، تتهم روسيا والنظام تركيا بانها لم تفي بتعهداتها بموجب اتفاق سوتشي.

واستخدمت روسيا البند الذي أكد على التعاون في مكافحة الإرهاب داخل سوريا لاتهام تركيا بعدم الإيفاء بتطبيق الاتفاق، حيث يستند التفسير الروسي لهذا البند بأن تقوم تركيا بمحاربة “هيئة تحرير الشام في إدلب” والقضاء عليها، وهو الأمر الذي تحاول تركيا تجنبه قدر الإمكان لكيلا تدخل في مواجهة عنيفة مع الهيئة.

ومع كل هذا التضارب في المصالح والخلاف في وجهات النظر بين “الضامنين”، يبقى مصير إدلب بسكانها الثلاثة ملايين مجهولاً وفي مهب رياح الصفقات السياسية العمياء.

مدونة هادي العبد الله