تعتبر المرحلة التي انتقل فيها الحكم من “الأسد الأب” إلى “الأسد الابن” عقب وفاة الأول سنة 2000 واحدة من المراحل الحاسمة في تاريخ سورية الحديث، تاريخها الرازح تحت حكم تلك العائلة التي امتصت خيرات هذا البلد وحكمته بالحديد والنار على مدار قرابة نصف قرن من الزمن.
وبالرغم من أن الأسد الأب كان قد حبك الأمر بدقة وحذر قبل وفاته بحيث تؤول مقاليد الحكم بعد وفاته لابنه “بشار” عوضاً عن ابنه الأكبر “باسل” الذي كان يجهزه أصلاً لهذا المنصب منذ سنوات قبل أن يموت باسل نفسه في ظروف غامـ.ضة، بالرغم من ذلك، إلا أن عملية التوريث بعد وفاة الأسد الأب كانت دقيقة ومحفوفة ببعض المخـ.اطر داخلياً وخارجياً.
وفي هذا الشأن، كشف رجل الأعمال السوري “فراس طلاس” الابن الأكبر لوزير الدفاع الأسبق “مصطفى طلاس” عن تفاصيل جديدة متعلقة بكيفية إشراف والده على إفشال محاولة سيطرة “رفعت الأسد” شقيق الأسد الأب على الحكم في سوريا، وتوريث “بشار الأسد” للسلطة عوضاً عن ذلك.
إقرأ أيضاً: جدال بين فراس طلاس وقائد مغاوير البعث على منشورٍ ينتقد الأسد من ابنة القرداحة (صور)
وفي مقابلة له مع قناة “روسيا اليوم” يوم أمس، قال طلاس بأنه وفي يوم وفاة “حافظ الأسد”، اتصل القصر الجمهوري بمنزلهم، وقال لوالده بأن الرئيس يطلبك، فاتجه إلى القصر فوراً، وهناك شاهد كلاً من ابنيّ حافظ بشار وماهر وقال له الاثنان بأن والدهما قد توفي، وأنه طلب منهما التواصل معه من أجل الترتيبات التي كان أخبره بها سابقاً.
وكان حافظ قد نسق مسبقاً مع مصطفى طلاس حول ضرورة تسليم السلطة لبشار من بعده، وهو الأمر الذي وافق عليه طلاس لأنه كان يعتبر حافظ الأسد بمثابة المعلم، بحيث لا يمكن أن يخالفه أو أن يرفض له طلباً، بحسب ما روى فراس.
وبعد لقائه بكل من بشار وماهر، قام طلاس بجمع كبار الضباط والمسؤولين وأمر بترفيع بشار من رتبة “عقيد” إلى رتبة “فريق” دفعة واحدة، وتسليمه كلاً من قيادة الجيش والقيادة القطرية لحزب “البعث” الحاكم، ثم طلب من “عبد القادر قدورة” رئيس مجلس الشعب وقتذاك بعقد اجتماع للمجلس بهدف تعديل الدستور لتخفيض الحد الأدنى المقرر لرئيس الجمهورية من عمر 40 إلى عمر 34 ليكون متوافقاً مع عمر بشار وقتذاك، وهو المر الذي حصل خلال خمس دقائق فقط وبإجماع كل أعضاء المجلس كما هو معروف.
ليست ثورة!
وفي سياق تصريحاته، رفض فراس اعتبار الثورة السورية على أنها ثورة حقيقة، وقال بأنها مجرد “انفجار” لم يستطع التحول إلى ثورة، بل تحول إلى حرب، وقال: “مجموعة من كبار الضباط في الجيش والأجهزة الأمنية من أمثال (علي دوبا – بدر حسن ابراهيم – شفيق فياض – عز الدين ناصر – أحمد ضرغام) أتوا جميعاً إلى والدي بعد ما حصل في الجامع العمري بدرعا، وطلبوا منه أن يذهبوا معاً لبشار الأسد ليعترضوا عن ما يحصل ويرفضوا طريقة تعامل النظام”.
وتابع بقوله: “وبالفعل قام والدي بالتواصل مع أبو سليم دعبول (مدير مكتب حافظ ومن بعده بشار) وطلب منه موعداً مستعجلاً مع بشار إلا أنه قال له سأتواصل معك لاحقاً، ولم يفعل ذلك” على حد تصريح فراس.
وأكمل بقوله: ” في المساء، اتصل أخي مناف بوالدي، وقال له بأن بشار اتصل به وقال له إنه يقبل بزيارة منه فقط، ولا يقبل بزيارة بقية الضباط لأن لا علاقة لهم بالبلد على حد قوله، وإن كان أحد يريد أن ينتقد سياسته فإنه لن يستمع لأحد، وكان الاتفاق بين الضباط ووالدي بأن يتناولوا الغداء في منزلنا غداً ويتناقشوا في الموضوع، وعندما سمعوا ما قاله بشار، أطلق أحدهم شتيمة كبيرة، ولم يذهبوا”.
نظام عالمي
وأكد فراس بأن آخر مرة قابل فيها والده بشار الأسد كانت عام 2010 ضمن غداء عند بشار ذاته، وبعد ذلك لم يقابله أبداً ولم يتحدث معه بالهاتف، حتى بعد اندلاع الثورة، وتحدث فراس عن تفاصيل خروجه وأخيه من سوريا، وأكد بأنهم قد قرروا ذلك بعد أن أيقنوا بوجود قرار بتصفيتهم، خصوصاً وأنهم قد قرروا الوقوف مع الشعب منذ الأسبوع الأول، على حد تعبيره.
وأشار إلى أنهما قد اجتمعا بوالدهما قبل الخروج من سوريا، وأكدا له ضرورة خروجه معهما لكيلا يتم الضغط عليهما إن هو بقي في سوريا، فوافق على الخروج لحمايتهما، وقرر الذهاب إلى منزل ابنته في باريس، وكشف فراس عما قاله والده وقتذاك له ولشقيقه حول الثورة وهدف إسقاط النظام، حيث قال مصطفى طلاس وقتذاك: “لا يمكنكم لا أنتم ولا الدول العربية إسقاط هذا النظام، سقوط هذا النظام هو تغيير لشكل النظام العالمي، لأن حافظ الأسد نسج نظامه داخل النظام العالمي، لن تروا حجراً على حجر في سوريا، وهذا النظام لن يسلم الحكم” وفقاً لما صرح به فراس طلاس.
وبالفعل، فقد تحققت نبوءة مصطفى طلاس بعد ثماني سنوات من الثورة، حيث أحرق نظام الأسد الأخضر واليابس، ودمر سوريا وأعادها إلى العصر الحجري، كما قتل مليون انسان وهجّر عشرة ملايين آخرين، وها هو الآن في طريقه إلى الشرعنة من جديد والعودة إلى أحضان المجتمع الدولي على يد روسيا، وبمباركة كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، أصحاب المصلحة الحقيقية ببقاءه!