يبدو بأن إفلاس نظام الأسد مادياً ومعنوياً، وافتقاره إلى العنصر الذكوري بعد أن أهلكه في الحرب الموجهة ضد الشعب السوري طوال ثماني سنوات، كل ذلك دفع بنظام الأسد مؤخراً إلى ابتكار ظاهرة جديدة للزج بطيف أوسع من أفراد قاعدته الشعبية ومؤيديه في أتون الحرب.
فقد تداولت منصات إعلامية موالية لنظام الأسد على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطعاً مصوراً للإعلامية “ريم مسعود” المؤيدة لنظام الأسد، وهي تجري مقابلة مع قناصتين – أم وابنتها – تتبعان لميليشيا “الدفاع الوطني” في ريف حماه، وهما تستعدان للتحرك نحو جبهة جنوبي إدلب.
كما تم تداول تسجيلات أخرى تُظهر استعدادات وتدريبات “فصيل القناصات” الذي يتألف من نساء مؤيدات للنظام، بغرض تدريبهن على استخدام بندقيات القنص، وأظهر التسجيل إجراء مجموعة من النساء لتدريبات عسكرية قرب ريف حماة الشمالي.
إقرأ أيضاً : معارض علوي ينقل صيحات العلويين في الساحل المطالبة بالتقسيم والانفصال عن الأسد
وقالت إحدى الشابات المنتسبات لهذا الفصيل، بأنها بعد الدراسة أصبحت ربة منزل، قبل انضمامها لـ “فصيل القناصات”، معلّلة ذلك بسبب وجود قتلى من أقاربها حاربوا مع قوات النظام، يعني انتسبت إلى هذا الفصيل بدافع الثـ.أر والانتقام فقط!
وهو الأمر الذي يقودنا إلى الفكر العام الذي تفكر ضمنه القاعدة الشعبية لنظام الأسد التي تتكون بمعظمها من الطائفة التي تنتمي إليها عائلة “الأسد”، والتي يتركز جلّها في مدن وقرى الساحل السوري وجباله، وهذا الفكر يتلخص في الانقياد الأعمى للنظام، والفكرة المغلوطة التي زرعها النظام في أذهانهم بأنهم – كأقلية – مستهدفون من قبل باقي أطياف الشعب السوري، ولذلك فإن معركتهم مع الشعب السوري الثائر هي معركة بقاء.
وفي هذا السياق، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية في مقال نشرته منذ حوالي شهرين، بأن الطائفة العلوية قد دفعت ثمناً باهظاً في معارك إدلب الأخيرة، حيث أن الأقلية العلوية التي ينحدر منها رأس النظام السوري وعائلته – عائلة الأسد – تمثل أهم قوة عسكرية في تشكيلة قوات النظام السوري وأجهزته الأمنية.
خسائر مهولة
وأوضحت الصحيفة الفرنسية بأن التقدم العسكري لقوات النظام السوري وحلفائه في محافظة إدلب مؤخراً كان مكلفاً من حيث الأرواح، لاسيما بالنسبة للعلويين الذين يشكلون الجزء الأكبر من القوات بين الجنود والميليشيات، وذكرت الصحيفة بأن العلويين ينخرطون في قوات النظام السوري ضمن إطار الخدمة العسكرية الإجبارية والتطوع، كما أن حصيلة القتلى في صفوف هذه القوات تجاوزت 1500 عنصراً خلال شهر آب أغسطس الماضي فقط، لكن النظام يمتنع عن نشر هذه الأعداد في صفوف الجيش ويتكتم عليه.
وفي السياق ذاته، كشف استطلاع رأي واسع النطاق تم إجراؤه في أوساط القاعدة الشعبية المؤيدة لنظام الأسد – وضمن الطائفة العلوية بشكل خاص – عن آراء مباشرة حول نظام الأسد والثورة السورية وباقي مكونات الشعب السوري ومستقبل الحكم في سوريا.
وتم هذا الاستطلاع في سياق دراسة أجرتها الباحثة الإسرائيلية “إليزابيث تسوركوف” وقد تم نشر أجزاء من هذه الدراسة في العدد الأخير من مجلة “نيويورك بوك ريفيو” خلال شهر آب أغسطس الماضي، حيث أجرت الباحثة استطلاع رأي للعلويين في سوريا استغرق عدة أشهر لإنجازه، وتضمن الاستطلاع شهادات مباشرة، وحوارات تمت عبر الهاتف مع أفراد من الطائفة.
لم يعد هناك سوى النساء!
ونظراً لانخراط شباب الطائفة بالقـتال لدعم نظام الأسد، قـتل عدد كبير منهم وتعرض البقية لعـاهات مستديمة، وأدت العقـوبات المفروضة على النظام لازدياد حالة الفــقر التي يعيشونها، والتي ازدادت عما كانت عليه في 2011، وذكرت الباحثة بأن الفجوة بين السُـنّة والعلويين في سوريا اتسعت، حيث يرى العلويون أن السنة “متطـرفون” بحسب زعمهم، ولذلك يدعمون حكم الأقلية في سوريا للحفاظ على الطابع العلماني للحكم.
ويعيش المجتمع العلوي حالياً مرحلة تقييم نتائج الحـرب المدمـرة التي رماهم نظام الأسد كوقود لها، ويجدون أنفسهم في موقع المنتصر، إلا أن هذا النصر – إن جاز لنا تسميته نصراً – لم يكن بلا تكلفة، بل دفعوا ثمنه باهظاً، بل ولازالوا حتى الآن يتدافعون للموت في محرقة نظامهم، ذاك النظام الذي لم يعد يرى امامه سوى النساء في الآونة الأخيرة، ليدفعهم أيضاً للموت في سبيله على الجبهات.