في مثل هذا اليوم من العام 2018، رحل عن دنيانا علمان من أعلام الثورة السورية وبطلين من أبطالها، رحلا – كما تمنيا دائماً – على ثرى سوريا نفسه، بعد أن رفضا كل المغـ.ريات لتركه، وبعد أن رفضا – بالمقابل – كل الأصوات التي أرادت إسكاتهما، فلم تأب في آخر الأمر إلا ان تسكتهما عنوة.
ففي مثل هذا اليوم، اغتـ.يل الناشط الثوري “رائد الفارس” مع صديقه الناشط “حمود جنيد”، وذلك على يد ملثـ.مين في وسط مدينة “كفرنبل” جنوب إدلب، ليخلف خبرهما يوماً أليـ.ماً في تاريخ الثورة السورية، فارتباطهما بالثورة السورية وأثرهما طوال السنوات الماضيات، يكاد يعطي شعورًا بانتهاء الثورة في قلوب أحبابهم مع خبر الاغتـ.يال، خاصةً مع توجه الأنظار إلى محافظة إدلب ومحاولات تصويرها بأنها “بقعة سوداء” بعيدًا عن أي حراك سلمي مدني.
ورائد من مواليد عام 1972، وعرف بلقب “مهندس اللافتات” التي اشتهرت بها كفرنبل منذ الأيام الأولى للثورة السورية، كما كان مديرًا لراديو “فريش” المحلي، وشغل أيضًا مدير “اتحاد المكاتب الثورية”، بينما كان صديقه حمود مصورًا وثق بكاميرته أحداث الثورة والقصـ.ف على مدار السنوات السابقة.
إقرأ أيضاً : راديو فرش العامل في الداخل السوري يفوز بجائزة عالمية هامة
درس الفارس في كلية الطب البشري في مدينة حلب، وتركها بعد ثلاثة أعوام لأسباب شخصية، وتنقل فيما بعد بين لبنان وسوريا شاغلًا عدة أعمال بينها التجارة وتسيير المعاملات، ثم برز اسم رائد بداية الثورة السورية بآذار مارس 2011.
وقتذاك، نشط الفارس مع صديقه المحامي “ياسر السليم” لإبداع لافتات كفرنبل الشهيرة، وعن الشرارة التي أطلقت لافتات كفرنبل، قال الفارس في أحد المرات بأن شرارة الحراك الثوري و”إبداع الكـ.ذب في قناة الدنيا الموالية لنظام الأسد” كانا سببين مباشرين لظهور فكرة اللافتات.
رفض ابن كفرنبل عدة عروض دولية للخروج من سوريا رغم تعرضه للتهـ.ديد بالاغتيـ.ال، وأصر على البقاء في إدلب، وكان قد تعرض في عام 2014 لمحاولة اغتـ.يال على يد مجـ.هولين أطـ.لقوا عليه الرصـ.اص، ودخل حينها إلى المشفى وأجرى عملية جـ.راحية في الصدر.
حراك مدني
وهكذا تمكن الفارس إلى جانب العشرات من الناشطين في كفرنبل من جعلها من أهم المدن المهتمة بشؤون الثورة والمتميزة بحراكها المدني، والذي اختص بلوحات ولافتات تعبيرية اهتمت بها أشهر المعارض، لكونها تعبر عن حالة سلمية تهدف إلى التعبير عن آراء السوريين.
وفي مقابلة له مع قناة “الغد العربي” عام 2014 في الولايات المتحدة الأمريكية، قال الفارس بأنه يمثل الشعب السوري، وتحدث عن العمل الإعلامي في الشمال السوري، وأن الإعلامي والناشط الصحفي قد أصبح هدفًا، ويحمل على أكتافه الثورة السورية.
وأضاف الفارس وقتذاك بأن الوصول إلى الإنجازات في الثورة يحتاج إلى تضحيات، مضيفًا: “الثورة هدمت مزرعة الأسد، وسيبقى هناك وطن للسوريين يعيشون فيه”.
استنكار عالمي
بالمقابل، أثار اغـ.تيال الناشطين البارزين رائد الفارس وحمود جنيد ردود فعل واسعة محليًا وعالميًا، ووقتذاك، أصدر كل من المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا “جيمس جيفري” ومبعوث الولايات المتحدة الأمريكية الخاص إلى الشرق الأوسط “جويل رايبورن” بيانًا نددا فيه باغتـ.يال الناشطين.
واعتبر البيان بأن الفارس وجنيد هما رمزان من رموز الثورة السورية ومن خيرة الشباب، وكانا من أوائل الثوار الذين سخّروا إبداعاتهم ومهاراتهم لخدمة شعبهم وأمتهم، والعالم سيبقى يتذكر لافتات الفارس الشهيرة في كفرنبل، وستبقى لقطات حمود شاهدًا إلى الأبد على الجرائم التي اقترفها نظام الأسد بحق الشعب السوري، بحسب البيان.
من جهته قال الممثل البريطاني الخاص لسوريا “مارتن لونغدن” بأن الفارس كان ضمير الثورة ومقتله خسارة لسوريا، كما عنونت صحيفة “واشنطن بوست” مقالًا لها بعنوان “أحد الناشطين الأكثر شهرة في سوريا اغتـ.يل في معقل الثوار”، وسلطت صحيفة “الغارديان” الضوء على اغتـ.يال الناشطين وعنونت مقالتها بعنوان “اغـ.تيال الناشط السوري رائد الفارس في إدلب”.
حزن … وغضب
من جهته أدان الائتلاف الوطني السوري المعارض اغـ.تيال الفارس وجنيد، وقال في بيان له بأن “هذه الجـ.ريمة استهدفت مكانًا عزيزًا في قلب الثورة السورية، خاصة في ظل ما تمثله مدينة كفرنبل في ضمائر السوريين، باعتبارها واحدة من رموز الثورة السورية عبر نشاطاتها المدنية والسلمية ولافتاتها التي عبرت عن تطلعات الشعب السوري على مدار سنوات”.
كما أدانت الهيئة السورية العليا للتفاوض حادثة الاغتـ.يال، وقالت في بيان لها بأن “النظام الديكتاتوري دأب على استهداف الأحرار بمختلف الوسائل والطرق، وجاء معه من ينفذ أجندته بتطرفهم أو عمالتهم، وتآمرهم على ثورة الشعب السوري”.
أثارت هذه الحـ.ادثة الأليـ.مة الغادرة مشاعراً عارمة في الأوساط الشعبية المؤيدة للثورة السورية داخل وخارج سوريا، مشاعر هي مزيج من الحزن والغضب، الحزن على فقدان بطلين شجاعين مخلصين عميقا الأثر في الثورة السورية، والغضب من الأيادي الآثمة الممتدة في كل مكان – حتى في المناطق المحررة -لإسكات كل صوت شجاع جريء ينقل الحق والحقيقة دون أن يهاب أحداً.