تخطى إلى المحتوى

إدلب والحاجة إلى قائد واحد .. رأي هادي العبد الله

بقراءة بسيطة للتاريخ، سنجد بأن جميع الأحداث المفصلية للشعوب في ثوراتها ضد الظلم، وفي سياق سعيها لنيل حريتها وكرامتها، أو حتى في حـ.روبها ضد الدول الأخرى، كانت على الدوام بحاجة إلى قائد يرصّ الصفوف، ويلهب القلوب، وينظم اندفاع الثائرين والمقــ.اتلين في خضم حميّة الحدث.

فوجود القائد أمر حتمي لا مفر منه قياساً للعقل والمنطق والحكمة المطلقة، لا من باب التسلط والتسيّد والزعامة كما قد يتصور البعض، فالقيادة – بمعناها الحقيقي – تكليف لا تشريف، والقائد الحق يعلم تماماً مدى ثقل المسؤولية العملاقة المرمية على كاهله، المر الذي يدفعه للمزيد والمزيد من التفاني في سبيل إنجاح قضيته وقيادة قومه إلى النصر.

وفي حالنا وحال ثورتنا السورية اليوم، ومع مرور قرابة تسع سنوات من أحداثها الجسام بكل ما فيها من تقلبات وانعطافات وتداخلات، لم يعد يفيد إذا ما قلنا بأن أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبها الثوار – عن قصد او غير قصد – هو عدم وجود قائد عام للثورة! لم يعد هذا الكلام يفيد شيئاً بعد أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ولم يعد يجدي البكاء على اللبن المسكوب.

ما يفيدنا الآن حقاً، وما يهمنا فعلاً، هو تلافي هذا الخطأ الذي عشناه بكل مضاعفاته طوال تسع سنوات، والبدء فوراً بالبحث عن قائد يقود المرحلة التي وصلنا إليها، ويستنقذ أكبر ما يمكن إنقاذه، ويدفع عنا شر الهزيمة الأخيرة، وخطــ.ر القضاء المبرم على الثورة والثوار في آخر معاقلهم المتبقية.

اليوم، إدلب أحوج ما تكون لقائد عسكري شجاع ينقلب على كل الاتفاقيات وينقلب على عجزنا ويأسنا وقهرنا! يقود المعارك بنفسه من الميدان، ويدافع عما تبقى من إدلب بصدق وإخلاص! إدلب اليوم – بوصفها آخر معاقل الثورة الحقّة – ظامئة إلى هذا القائد الذي سيوحد الصفوف، ويؤلف القلوب، ويجمع حوله آلاف الشباب الثائر.

ففي ظل التشرذم والتشتت والتخبط وتضــ.ارب الآراء وإعجاب كل ذي رأي برأيه وكل ذي سلــ.اح بسلاحه، لن نصل إلى أي مكان سوى الهزيمة، ولن تنفع كل تضحيات ثوارنا ودماء شهداءنا التي لا زالت تسيل مدرارة بلا حساب، وعليه، سيبقى العدو يستفرد فينا الواحد تلو الآخر، والمجموعة تلو المجموعة، والجبهة تلو الجبهة، إلى أن نستيقظ ذات يوم على مرارة الهزيمة التامة، شاعرين بنصل سكّينة على رقبة كل واحد فينا … وعلى رقاب أطفالنا ونساءنا وشيوخنا.

لابد لنا من قائد اليوم، يعيد توحيد صفوف الثوار، ويؤلف بين قلوب الفصائل، وينسق العمل بينها على أعلى مستوى، لابد من قائد محبوب مرغوب من الجميع، وقوي الشخصية شديد الشكيمة رابط الجأش، وذو خبرة قتـ.الية عالية – وما أكثرهم – وحس كبير بمكامن الخطـ.ر، وصاحب حكمة منقطعة النظير.

القائد الجديد الذي تنتظره إدلب هو رجل فارغ القلب إلا من حب أرضه وشعبه وعدالة قضيته، رجل منزه عن حب السلطة والزعامة والمكاسب، ورجل قوي الشخصية وذو روح جذابة ونور وضاء ووجه صبوح بين أقرانه، عبوس في وجه أعداءه! قائد يستطيع أن يحرك الجموع بكلمة، ويستنهض الهمم بصرخة، ويقلب الطاولة على خطط العدو.

إدلب اليوم – لكي تنجو بنفسها من لوثة الاحتلال الأسديّ الروسي – تحتاج قائداً منفصلاً عن التوجيه والإملاء الخارجي، مؤمناً فقط بالقدرات الجبارة لمقاتليه، والعزيمة الكبرى لثواره، والوعد الأكيد المحقق لنصرة الله للمخلصين من جنده، قائد لا يأبه للمؤتمرات والاتفاقيات والقمم، ولا يعنيه إلا دحر العدو الصائل، وحماية الأرض والعرض وكلمة الحق العليا.

أهمية البحث عن هذا القائد اليوم تفوق كل أولوية أخرى! أولوية لا تقل أهمية عن إغاثة النازحين وحماية المدنيين، وهي مسؤولية كبيرة علينا جميعاً، ان نبحث عن هذا القائد بكل إخلاص، وأن نسلط الضوء عليه بعد إيجاده، ونحشد الرأي العام للالتفاف حوله ودعمه، وبعد ذلك، سيتمكن هو نفسه من إكمال المهمة، لأنه وبكل بساطة … قائد!

هي رسالة، او صرخة أخيرة … موجهة إلى كل الفصائل والمجالس والهيئات والفعاليات الثورية، بضرورة إيجاد قائد يقود معركة الثورة الأخيرة في إدلب، ولإن انتصرت إدلب معه وبفضله، قد يكون هذا الأمر مقدمة لقلب الطاولة بالكامل على كل رؤوس أعداء الثورة وخاذليها، وتغيير مسار التاريخ إلى ما لم يتوقعه كل من راهن على تشتتنا وتمزقنا وضياع بوصلتنا.

هادي العبد الله – إدلب – 24/12/2019