مدونة هادي العبد الله – خاص
لم يكن عام 2019 أقل وقعاً ومرارة من الأعوام التي سبقته على مجريات أحداث الثورة السورية، هذا إن لم يكن أقساها وأكثرها حسماً لمصير الثورة والثوار السوريين الذين يدافعون اليوم عن آخر معاقل تلك الثورة أمام زحف نظام الأسد وحلفاءه الهادفين لوأد تلك الثورة وإخماد آخر أنفاسها.
ففي الميدان، كان هذا العام هو “عام إدلب” بلا منازع، إدلب التي خُدعت في العام الماضي باتفاقيات خفض التصـ.عيد ومسلسلات “آستانا” و”سوتشي”، ولم تكد تعتقد بأنها قد ارتاحت وضمت إلى أحضانها ما تبقى من ثوار سوريا، حتى أظلمت عليها السماء فجأة، وعاد الغـ.زاة ليكشروا عن أنيابهم في وجوهها.
فمنذ أواخر شهر نيسان أبريل، بدأ نظام الأسد بدعم مطلق من حليفه الروسي حملة تصـ.عيد ضد المحافظة ومحيطها من أرياف حلب وحماة واللاذقية، تصـ.عيد لا يزال مستمراً إلى اليوم، مع فترات توقف بسيطة لا تكاد تذكر، يزعم الروس أنها “هدنة”، ليعودوا بعدها إلى القصــ.ف بشكل أشد وأكثر همـ.جية .
وعلى الأرض، تمكنت قوات نظام الأسد وميليشياته المساندة من التقدم رويداً رويداً، بدءاً من السيطرة على مدينة “قلعة المضيق” في ريف حماة الشمالي في أيار مايو، مروراً باحـ.تلال كامل ريف حماة الشمالي تدريجياً حتى شهر آب أغسطس.
إقرأ أيضاً : تضامن شعبي واسع حول العالم مع الأحداث التي تشهدها إدلب (صور + فيديو)
وعقب احتلال ريف حماة الشمالي بالكامل، احتلت قوات النظام وميليشياته مدينة “خان شيخون” الاستراتيجية في ريف إدلب الجنوبي، لتكون مقدمة دخولها التدريجي في محافظة إدلب من طرفيها الشرقي والجنوبي، ولا زال التقدم مستمراً إلى اليوم، حيث باتت المليشيات على أطراف مدينة “معرة النعمان”.
وبالرغم من كل ذلك، تكبدت قوات نظام الأسد وروسيا وميليشياتهما خـ.سائر في الأرواح والعتاد منذ بدء التصـ.عيد إلى اليوم، وذلك بعد أن تشكلت غرفة عمليات “الفتح المبين” في منتصف شهر أيار مايو، والتي ضمت معظم الفصائل الثورية والإسلامية في محافظة إدلب، نابذة كل الخلافات السابقة التي كانت بينها، وموحدة جهودها ضد القوات الغازية.
ومع كل المناطق التي خسرتها الثورة السورية في هذا العام، كان الحدث الأشد حزناً وألماً على الثوار هو رحيل أيقونة الثورة السورية وحارسها وبلبلها “عبد الباسط الساروت”، حيث استشهد متأثراً بجراحه وهو يقاتل على ثرى ريف حماة الشمالي في شهر حزيران يونيو.
نبع السلام
أما في شرق سوريا، فقد شهد عام 2019، بدء عملية عسكرية واسعة النطاق، بشكل مشترك بين “الجيش الوطني السوري” والجيش التركي، بهدف تحرير كامل مناطق شمال شرق سوريا من ميليشيات “قسد” المعادية لكل من الطرفين، وتم إطلاق اسم “نبع السلام” على تلك العملية، وقد انطلقت مطلع شهر تشرين الأول أكتوبر.
إلا أن العملية توقفت بعد أن حررت نطاقاً ممتداً بين مدينتي “تل أبيض” و”رأس العين” فقط، وذلك عقب اتفاقين متعاقبين من الجانب التركي مع كل من الولايات المتحدة أولاً، وروسيا ثانياً، وذلك بعد شهر واحد فقط على انطلاق العملية.
وعقب الاتفاق التركي الروسي، وانسحاب قوات التحالف الدولي من معظم مناطق شرق سوريا، عاد نظام الأسد مع حليفه الروسي للانتشار لأول مرة منذ سبع سنوات في شرق سوريا، وذلك بتنسيق مشترك مع ميليشيات “قسد” ايضاً.
المسار السياسي
سياسياً أعلن الأمين العام للأمم المتحدة في مطلع شهر تشرين الأول أكتوبر اكتمال تشكيل “اللجنة الدستورية السورية”، لتبدأ عدة اجتماعات مكوكية خلال الشهرين الماضيين، فشلت جميعاً بسبب تعنت وفد نظام الأسد، الأمر الذي أدى لتجميد جلسات اللجنة حتى إشعار آخر.
وانعقدت خلال عام 2019 ثلاث جولات من محادثات آستانا، في نيسان أبريل، وتموز يوليو، وتشرين الثاني نوفمبر، وكالعادة لم تفض تلك الجلسات لأي نتيجة تذكر، باستثناء حملات وحشية من القصف كانت تسبق ميعاد كل جلسة، ليخرج المجتمعون بنتيجة خلبية بأنهم قد “أوقفوا القصـ.ف” كإنجاز للمحادثات!
وتكونت خلال عام 2019 تشكيلة جديدة للحكومة السورية المؤقتة، حيث انتخب “عبد الرحمن مصطفى” رئيساً جديداً للحكومة خلفاً للدكتور “جواد أبو حطب” في شهر آب أغسطس، وكان من أهم إنجازات تلك الحكومة تشكيل وزارة الدفاع التي ضمت تحت قيادتها فصائل “الجيش الوطني”، و”الجبهة الوطنية للتحرير”.
حراك شعبي واسع
كما تم خلال الاسبوعين الماضيين المصادقة على قانون “قيصر” المعني بمحاسبة نظام الأسد وكافة داعميه، وذلك بعد إقراره من قبل مجلسيّ الكونغرس الأمريكي، ومن ثم الرئيس الأمريكي ذاته، ليصبح نافذاً وساري المفعول.
مدنياً، شهد عام 2019 مظاهرات شعبية حاشدة في محافظة إدلب ضمن فترات متفرقة، طالبت بكسر الحدود والسماح للسوريين بالوصول إلى تركيا وأوربا، وذلك للفت أنظار العالم الصامت إزاء المذبحة التي يتعرض لها أكثر من ثلاثة ملايين سوري في إدلب على يد نظام الأسد وحلفاءه.
كما شهدت محافظات درعا ودير الزور عودة التظاهرات الشعبية والاحتجاجات منذ أن أعاد نظام الأسد السيطرة عليها خلال العام الماضي، وبالأخص درعا التي تشهد غلياناً شعبياً وعودة للعـ.مليات النوعية ضد حواجز نظام الأسد ومقراته.
العمل المدني
كما انتشرت ظاهرة الكتابة على الجدران وتوزيع المنشورات المناهضة لنظام الأسد وحلفاءه في مختلف المناطق السورية، وبالأخص في درعا وحمص ودمشق وريف دمشق.
على صعيد آخر، انطلقت في عدد كبير من المدن والعواصم الغربية حملة “الأمعاء الخاوية” على يد ناشطين سوريين وغربيين، معلنين إضرابهم عن الطعام في الساحات العامة احتجاجاً على ما يجري في إدلب، وكان الناشط السوري “بريتا حاجي حسن” الرئيس الأسبق لمجلس مدينة حلب هو من أطلق شرارة هذه الحملة.
إضافة إلى ذلك، تشهد المدن التركية والمدن الأوربية والأمريكية وقفات احتجاج كبيرة بشكل غير مسبوق خلال الأيام الثلاثة الماضية، تضامناً مع التصعيد الأخير لنظام الأسد، واحتجاجاً على إجرام نظام الأسد وحلفاءه.