تخطى إلى المحتوى

تفاصيل جديدة حول الأيام الأخيرة من حياة الفنان “خالد تاجا”.. حاول الهروب إلى الأردن، ودخل وزير إعلام الأسد إلى غرفته قبل وفـ.ـاته بقليل!

تعددت الروايات حول وفاة خالد تاجا، لكن لم يخـ.تلف الرواة في أنه أحد الذين كسـ.روا حاجز الصمت مبكراً، وهو ممن دعوا إلى ثورة يتوحد فيها السوريون جميعهم بعيداً عن الحزبية والمذهبية لإنقاذ سوريا، إذ ظهر تسجيل فيديو لمقابلة مع تاجا تعود لعام 2009 يصف فيها النظام السوري بأنه عـ.ـدو السوريين الأول والأخطـ.ـر، وهو ما لم يجرؤ أحد من قبل على قوله بهذه الحدّة وهذا الوضوح، ومن داخل دمشق.

ذلك الفيديو المعروف كفيل بتفسير موقف النظام ومخاوفه من فنان وصفه الشاعر “محمود درويش” بأنه “أنطوني كوين العرب”، في دلالة على الأثر الذي تركه عن دوره في دراما الزير سالم، فالأثر الشعبي الذي تركه الراحل فنيّاً وسياسياً جعله خصـ.ماً ثقيلاً يصعب إزاحته بصورة اعتيادية.

مراجعة تاجا الدائمة لفرع التحقيق

أحاول هنا رواية ما تصادف في حياتي كصحفي حول المناضل خالد تاجا، فبين عامي 1997 و1999 وخلال خدمتي الإلزامية في فرع الإعلام بمقر الإدارة السياسية في دمشق، وهو المقر المحاذي لفرع فلسطين سابقاً والمنطقة لاحقاً والتابع للأمن العسـ.ـكري، كنت أشاهد بين فترة وأخرى خلال توجهي للدوام خالد تاجا وهو يركن سيارته “دوتش” القديمة أمام الفرع ويقف عند الباب، ودفعني فضولي ذات مرة لسؤال أحد المحققين الذي يترددون لمكاتب الإدارة السياسية فأجابني بأنه ـ خالد تاجا ـ يراجع للتحقيق، ويعرف السوريون معنى التحقيق في هذا المكان.

كان خالد تاجا واحداً من الذين انضموا إلى مظاهرة المثقفين في الميدان في 13 تموز ـ يوليو عام 2011، وجرى توقيفه مع بعض الفنانين ومنهم الراحلة مي سكاف وفارس الحلو وقتها لبعض الوقت، إلا أن تاجا لم يُعتقل بعدها ولم يتعرض للتعـ.ـذيب كما ورد من روايات، ومن الشهادات على هذا الأمر رواية ابن اخته مناع حجازي.

محاولة الخروج من سوريا

في أيلول عام 2013 دخلت إلى سوريا لتوثيق الأحداث في المنطقة الجنوبية، وخلال زيارتي للقرى الغربية في حوران استضافني أحد الناشطين في منزله الذي يبعد مئات الأمتار عن الحدود الأردنية، وعرفت منه خلال حوار حول ما حصل في السنة الأولى للثورة أن دراجته النـ.ـارية التي يركنها كانت وسيلة لنقل عدد من الشخصيات الفنية والأدبية والناشطين السوريين الذين يلاحقهم نظام الأسد، ومنهم ريما فليحان، ومع مزيد من روايات هذا الشاب ومن حوله حيث كنت أبيت في منزله وأنام على فرشة من الصوف في طرف المضافة، قال لي إن كثيراً غيرك ناموا على ذات الفرشة، ومنهم المرحوم خالد تاجا الذي حاولت إخراجه لكنني لم أُوفق في تأمين خروجه، حيث ضاق نفسه وطلب تأمين طريق عودته إلى دمشق في اليوم الثالث لوصوله.

اقرأ أيضاً: الفنان الراحل خالد تاجا في آخر لقاء معه يهـ.ـاجم الأسد ونظامه ويقف مع الثورة السورية (فيديو)

يقول الناشط إن تاجا كان يتعرض لحالات اختنـ.ـاق وساء وضعه مع عدم وجود أدوات طبية للمساعدة، حيث كان يتناول بعض العقاقير التي جلبها في حقيبة كتف صغيرة بنيّة اللون، ويشير إلى أن الواقعة حصلت قبل وفاته ببضعة أسابيع، أي في شباط عام 2012، وأن تاجا لم يكن يرغب بأن يعرف أحد بوجوده، حيث كان يتواصل مع شخص لا نعرفه لتأمين الخروج، وفجأة طلب العودة إلى دمشق فتمّ تأمينه حتى آخر حاجز للجيـ.ـش الحر على تخوم مدينة “إبطع” على مسافة 80 كيلومتراً جنوب دمشق.

قمت بمطابقة الأمر مع بعض الأصدقاء وبينهم الكاتب والشاعر “عدنان العودة” الذي كان قريباً من الراحل حسب قوله، مشيراً إلى أنه زاره قبل ليلة أو ليلتين من وفاته، لكن الرواية الأقرب في وفاة خالد تاجا هي لابن شقيقته إياد حجازي الذي لازمه طوال فترة مرضه في مستشفى الشامي، إذ ترد معلومة مفاجئة حول طبيعة الوفـ.ـاة.

الفنان السوري خالد تاجا

إمكانية تصفيته من قبل وزير الإعلام

لم يعلم كل من تمت مراجعتهم كأشخاص قريبين من محيط تاجا بأمر خروجه إلى درعا في شهر شباط، إلا أن إياد يقول إن خاله كان يعدّ لمعـ.ـركة مصيرية مع النظام لدرجة أنه قبل دخوله الأخير إلى المشفى قام بتجهيز مزرعته في ريف دمشق للانتقال إليها من شقته في حيّ دمر الدمشقي، إذا كان يخطط لسكن طويل الأمد مع مؤنة كافية في تلك المزرعة، وقام بشراء كل ما يلزم له ولعائلة شقيقته أو من تبقى منهم في دمشق.

يقول إياد إن خالد تاجا بقي في مستشفى الشامي قرابة الشهر، وأن وزير الإعلام السابق في نظام الأسد عدنان محمود كان يزورهم بشكل مستمر للاطمئنان عن صحة تاجا، إلى أن جاء عرض من الملك الأردني عبدالله بن الحسين لنقل خالد تاجا بطائرة إلى الأردن ثم التكفل بعلاجه على نفقة الملك، وعند الحديث عن العرض بين إياد وعدنان محمود استشاط الأخير غضباً مبدياً رفضاً قاطعاً.

ويشير إياد إلى أن العائلة كانت حجزت غرفتين في مشفى الشامي في طابقين متتاليين واحدة في الطابق السفلي لإقامة أخته والعائلة والأخرى في طابق علوي لخالد، وفي الليلة الأخيرة أفاد الأطباء بأن حالة تاجا استقرت ويمكن نقله وإخراجه من العناية الفائقة، وكان وقتها عدنان محمود في غرفة العائلة وطلب المغادرة دون الإشارة إلى أنه سيمر بغرفة تاجا، ليفاجأ إياد حجازي وأفراد الأسرة بأن محمود توجه فور مغادرته غرفتهم إلى الطوابق العليا فدخل غرفة خالد تاجا دون أن يستأذنهم، ثم خرج منها إلى غرفة الطبيب المسؤول في قسم العناية الفائقة ليفاجأ الجميع بعدها بوفاة خالد تاجا صباح الرابع من نيسان ـ أبريل 2012 دون تفسير، وبشكل يتعارض مع توصية الأطباء الذين أكدوا استقرار حالته الصحية.

يرى إياد إن احتمال تورط عدنان محمود وتكليفه بتصفية خالد تاجا تبقى فرضية كانت تحتاج لإثبات من خبراء أدلة جـ.نائية لكن ذلك كان متعذّراً في مشفى تراقبه أجهزة الأمن وتدير مفاصله بشكل دقيق.

هل اختار النظام تصفيته خوفاً من تعافيه وعودته إلى المعترك ضد الأسد؟ وهل كان ثمة مخاوف من خروج تاجا من سوريا كرجل مؤثر وذي وزن على المستوى الشعبي في لحظة كان يترنح فيها نظام الديكتاتور.

مقتـ.ـل زوجة تاجا على يد سرايا الدفاع

لم يكن تاجا مهادناً في معـ.ـركته مع النظام الديكتاتوري الأسدي، وكانت خساراته على المستوى العائلي الضيّق دافعاً إضافيا لخوضه تلك المعـ.ـركة، ومن تلك الخسارات ما حصل مع زوجته التي قتـ.ـلها عنصر في مرافقة رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع التي عاثت فساداً في سوريا قبل أن يرحل رفعت إلى فرنسا في صفقة معروفة مع أخيه استولى على إثرها على أموال الخزينة العامة، وهي مئات ملايين الدولارات كشرط للخروج.

زوجة تاجا هي الفنانة المطربة “سحر المقلي”، واسمها الحقيقي “فضيلة مقلي” وتنحدر من محافظة حماة، قتـ.ـلها عنصر الحماية عام 1981 عندما طلب منها الغناء لرفعت وحافظ الأسد خلال حفل على مسرح في فندق سميراميس وسط العاصمة دمشق، فتجاهلت طلبه ليقوم بإلقاء قنبـ.ـلتين مطلقاً عبارة “من أنت لترفضي الغناء للمعلم”.

قتـ.ـلت القنبـ.ـلتان سحر مع نحو 30 شخصاً آخرين، وجـ.ـرحت العشرات، وبعد أسبوع من الحادثة خرج إعلام النظام واصفا الجـ.ـريمة بأنها “غرام وانتقام” دون أن يرف للقتـ.ـلة رمش بشأن الضحـ.ـايا، وهذه الجـ.ـريمة مثبتة بالوقائع، ومن رواتها المؤرخ الروائي الدمشقي المعروف “خيري الذهبي”.

ربما يكون المرض أو الحزن من قتـ.ل خالد تاجا، لكن فرضية عملية قتـ.ـل مدبّرة تبقى أمراً وارداً يستحيل إثباتها جنائياً رغم وجود دلائل حسيّة، أما أن يكون قد مات في المعتـ.قل أو مرّ به فهي مجرد روايات لا ترقى للحقيقة.

مئات الأعمال الفنية والسينمائية والمسرحية الخالدة، وتاريخ من النضال العلني، تلك كانت مسيرة قامة فنية سيخلدها التاريخ وسيعود إليها المؤرخون وربما يفرد لها كتاب الدراما والسينما وصانعوها مساحة تستحقها في وقت لاحق.

سيرة محمد خالد عمر تاجا لمن يعرفه تفصح عن حقائق لقامة فنية تركت أثرها في في الساحة الفنية وعند مئات الملايين الذين تابعوا أعماله الفنية، فالرجل الذي ولد في حي ركن الدين الدمشقي عام 1939 وهو نفس الحي الذي دفن فيه وترك على شاهدة قبره عبارة اختارها بنفسه تقول: مسيرتي حلم من الجنون، كومضة شهاب، زرع النور بقلب من رآها.. لحظة ثم مضت”.

علي عيد – موقع “زمان الوصل”

مدونة هادي العبد الله