تخطى إلى المحتوى

أسلـ.ـحة تركية غير تقليدية في إدلب بموازاة حشودات للنظام.. وثلاث سيناريوهات بانتظار إدلب

منذ توقيع اتفاق موسكو بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في الخامس من شهر آذار/مارس الماضي، لم تنعم إدلب بالهدوء المفترض أن تعيشه وفق الاتفاق.

وبدأت قوات النظام وميليشيات إيران وأخرى تابعة لروسيا، بخرق اتفاق وقف إطلاق النـ.ـار منذ الدقائق الأولى لسريانه عبر قصـ.ـف خطوط التماس بالصـ.ـواريخ والمـ.ـدفعية الثقيلة.

خروقات

ورصد ناشطون ومراقبون عمليات تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع والتجسس الروسية في أجواء إدلب خلال الأسبوع الأخير من شهر مايو/حزيران الماضي، وخصوصا المناطق الواقعة مع خطوط التماس، كما شنّت مقـ.ـاتلات “ميغ 29” من الجيل الرابع التابعة لقاعدة حميميم الروسية عدة هجـ.ـمات محدودة استهدفت محور “كبينة” بريف اللاذقية الشمالي، وخطوط التماس في ريف حماه الشمالي الغربي، وأطراف منطقة “جبل الزاوية” في ريف إدلب الجنوبي، ذلك كله وقع بالتزامن مع حشود عسكرية ضخمة لنظام الأسد وتعزيز جبهاته في أرياف إدلب وحلب.

تعزيزات للنظام والميليشيات

تابع مراسل بلدي نيوز التعزيزات، وجمع من عدة مصادر ميدانية تفاصيل عن هذه الحشود الممتدة من ريف حلب الجنوبي حتى كامل ريفي إدلب الشرقي والجنوبي وريف حماه الشمالي الغربي تحديداً “منطقة سهل الغاب ومعسكر جورين”، حيث لوحظ نشاط لكل من “الفرقة الرابعة والفرقة السادسة والحرس الجمهوري” من مرتبات جيـ.ـش الأسد، وميليشيا “حزب الله اللبناني”، ووحدات من “الحرس الثوري الإيراني”، وميليشيات أخرى موالية لإيران منها ألوية “الباقر، وفاطميون، وزينبيون، وحيدريون”، إضافة لزج نحو 6000 مقـ.ـاتل من ميليشيات “الفرقة 25 مهام خاصة، والفيلق خامس اقتحام” التابعين بشكل مباشر لقاعدة حميميم الروسية “مطار باسل الأسد سابقاً” في ريف اللاذقية.

الموقف الروسي

على اعتبار أنّ الجانب الروسي ضامن لقرار وقف إطلاق النـ.ـار المتفق عليه مع الجانب التركي في الخامس من مارس/آذار الفائت، لم يخرج عنه طيلة الفترة الماضية سوى بعض تصريحات المسؤولين في وزارة الدفاع الروسية مفادها أنّ اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة إدلب “سارٍ رغم بعض الخروقات” التي نسبوا معظمها لفصائل “إرهـ.ـابية”، على حد وصفهم.

في حين يرى مراقبون أنّ روسيا تسعى جاهدة للاستفادة من كافة الامتيازات والعقود متوسطة الأجل التي استحوذت عليها من نظام الأسد مقابل دخولها الحرب إلى جانبه ضد ما تبقى من مناطق خارجة عن سيطرة النظام في أرياف إدلب وحماة وحلب، ولتسهيل الاستفادة من هذه الامتيازات في العديد من المحافظات السورية، تسعى للسيطرة على الطريق السريع “حلب – اللاذقية” والمرمز له بـ M-4، خصوصا بعد أن تمكنت من فتحه أمام القوافل التجارية بداية من معبر “اليعربية” على الحدود السورية العراقية وصولا لمدينة حلب بإشراف روسي-تركي مشترك في بعض أجزائه.

وفي ذات السياق، تسربت عدة معلومات مفادها أنّ القوات الروسية الجوية في قاعدة حميميم، بدأت مؤخرا بتدريب طيارين في سـ.ـلاح جو جيش نظام الأسد، على استخدام طائرات حديثة ومعدلة، وذخائر متطورة تم رصد استخدامها للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية، بالإضافة إلى تكتيكات المناورة والاعتراض والهجوم، مما يدل على أنّ روسيا لن تشارك فعلياً المـ.ـواجهات القادمة خشية أن تقع تحت المزيد من الضغوط الدولية، وستكتفي بإدارة المعـ.ـارك وتواجدها على رأس غرف العمليات.

امتداد الجبهات

وشهدت جبهات ريفي إدلب الجنوبي والشرقي خلال الشهرين الماضيين عشرات الخروقات من قبل نظام الأسد والميليشيات الموالية له، منها عمليات تسلل وقنـ.ـص، واشتبـ.ـاكات بالرشـ.ـاشات الثقيلة، وقصـ.ـف مدفـ.ـعي وصـ.ـاروخي، إضافة لاستقدام تعزيزات عسـ.ـكرية تضمنت مـ.ـدافع ميدانية ودبـ.ـابات وراجمات صـ.ـواريخ ونشر معسـ.ـكرات جديدة، إضافة لاستحداث مهبط للطائرات المروحية في بلدة “معرشورين” الواقعة في ريف مدينة معرة النعمان الشرقي، وإنشاء نقاط إسعاف ومراكز طبية خلف الخطوط الأولى في المناطق التي تم تشهد حتى اللحظة عودة أي من معالم الحياة إليها.

تشير هذه المعطيات والتحركات إلى نية حلف نظام الأسد إلى أن إشغال محاور جبلي الزاوية والأربعين في ريف إدلب الجنوبي، هي من أولويات المعـ.ـركة القادمة.

تعزيزات تركية

ومنذ انهيار الفصائل السورية وخسارتها لخطوطها الدفاعية في أرياف إدلب وحماه وحلب مطلع العام الحالي، بدأت تركيا باستقدام تعزيزات عسـ.ـكرية لنقاط المراقبة التركية المتواجدة في كل من “شير معار ومورك” بريف حماة الشمالي، ونقاط “تل الطوقان والصرمان” في ريف إدلب الشرقي، ونقطة “العيس” في ريف حلب الجنوبي، إلا أنها لم تتمكن من تعزيز هذه النقاط بالشكل العسـ.ـكري المطلوب لمنع زحف قوات النظام وروسيا، مما أدى إلى حصار جميع هذه النقاط، وست نقاط أخرى أنشأتها مطلع العام الجاري.

وبدأت تركيا عقب تطبيق اتفاق موسكو الأخير، من استحداث نقاط عسـ.ـكرية مـ.ـواجهة لخطوط التماس بمسافة تبعد 5 إلى 15 كم، بعضها في مواقع جغرافية استراتيجية تعطيها أفضلية عسـ.ـكرية، في حين أن معظمها انتشر بمحاذاة الطريق السريع “حلب – اللاذقية” بداية من مزارع “البرناص” آخر منطقة محررة في ريف إدلب الغربي، وحتى قرية “النيرب” آخر منطقة محررة في ريف إدلب الشرقي، ومن بلدة “إحسم في ريف إدلب الجنوبي، وحتى مدينة “دارة عزة” بريف حلب الشمالي الغربي.

وتضمنت جميع النقاط المحدثة على عشرات الأسـ.ـلحة والمركبات الهجـ.ـومية والدفاعية منها.

الدبـ.ـابة الأحدث في الجيـ.ـش التركي “ألتاي – ALTAY”، وهي دبـ.ـابة قتـ.ـالية متطورة مزودة بمـ.ـدفع من عيار 120ملم، ورشـ.ـاشين أحدهما من عيار 12,7 ملم، والآخر من عيار 7,62 ملم، كما أنها مزودة بأنظمة للحماية من الألغام والهجـ.ـمات الكيماوية والإشعاعية.

العربة “كوبرا” وهي عربة مدرعة مخصصة لنقل الأفراد ضمن المناطق العسـ.ـكرية، تتميز بتصفيحها العالي وهيكلها المضاد للصـ.ـواريخ، مزودة برشـ.ـاش عيار 12,7 ملم، وفتحات ليتمكن الأفراد من الرمي من داخلها.

العربة “كيربي” أو “القنفذ” والطراز الأحدث منها “فوران” وهي الأكثر عدداً ضمن التعزيزات العسـ.ـكرية التركية التي دخلت محافظة إدلب، تتيح هذه العربة نقل 16 جندياً في ظل ظروف جغرافية ومناخية قاسية، كما تتمتع بتصفيح عالٍ وأجهزة كشف الألغام والمتفـ.ـجرات، وأجهزة تشويش تمنع إصابتها من قبل الصـ.ـواريخ الموجهة، إضافة لمناظير الرؤية الليلية والحرارية، كما يمكن تزويدها بمنصة إطلاق صـ.ـواريخ موجّهة، أو رشاش من عيار 12,7.

المدرعة “AKINCI ZMA” وهي عربة مجنزرة ذات تصفيح عالٍ، مزودة برشاشين أحدهما من عيار 14,5 ملم والآخر من عيار 7,62 ملم، مخصصة لمرافقة الدبـ.ـابات في العمليات القتـ.ـالية ونقل الجنود.

راجمة الصواريخ “جباريا” أو “T-122 CNRA”، ورصد دخولها ضمن التعزيزات العسـ.ـكرية التركية لمحافظة إدلب، وهي راجمة صـ.ـواريخ من عيار 122 ملم، يتراوح مداها بين 21 و 57 كم بحسب نوع الذخـ.ـائر المستخدمة، ويمكنها توفير غطاء نـ.ـاري واسع، حيث يمكنها إطلاق 50 صـ.ـاروخاً خلال دقيقة واحدة وتغطية هدف بمساحة 4كم²، بالإضافة إلى عشرات العربات اللوجستية، كالآليات الثقيلة المخصصة للتحصين والتدشيم، وكاسحات الألغام وغيرها.

اقرأ أيضاً: ضابط تركي يجتمع مع المدنيين في إدلب ويكشف لهم الموقف التركي من الأحداث القادمة

أسـ.ـلحة غير تقليدية

وفي إطار تعزيز تركيا لقواعدها العسـ.ـكرية المحدثة، أرسلت القـ.ـوات التركية خلال الأسابيع الثلاثة الفائتة أسـ.ـلحة وعتاداً عسـ.ـكرياً تم رصد دخوله لمحافظة إدلب للمرة الأولى، كمدافع “هاوترز” ذاتية الحركة من عيارات 130 ملم، و180 ملم، و203 ملم بمعدل إطلاق يبلغ نحو 18 قـ.ـذيفة في الدقيقة، وبمدى استهداف يتراوح من 28 كم وحتى 42 كم.

منظومات دفاع جوي، منها منظومة ATILGAN، ومنظومة HISAR-A واللتان تتشابهان إلى حد كبير بأنظمة التشغيل والرصد والإطلاق، حيث توفر كل عربة من هذه المنظومات درعاً من الهجـ.ـمات الجوية بدائرة يبلغ قطرها 26 كم، وارتفاعاً حتى 14 كم، بنظام استعداد وإطلاق لثمانية صواريخ من نوع ستينغر، FIM-92.

ومنظومة WHK-MIM23 التي تتميز باستهدافها للطائرات التي تحلق على ارتفاع يتراوح من 30 وحتى 13,000 متراً بمدى يصل حتى 21 كم، وهي إنتاج شركة ريثيون الأمريكية، تستعمل المنظومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أساسي كما صدر منها إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، وتعتبر أكثر فاعلية من المنظومات السابقة.

يجدر بالذكر أنّ القوات التركية لن تستخدم هذه المنظومات في ردع الهجمات الجوية على محافظة إدلب التي يعيش فيها نحو 4 مليون مدني، على اعتبار أنّ هذه المنظومات ذات مدى جوي قصير، بإمكانه تأمين قبة جوية للقواعد العسـ.ـكرية التركية ومنع استهدافها من الطائرات الحـ.ـربية أو المسيّرة أو الصـ.تواريخ البالستية، تفادياً لعدم تكرار حادثة بليون حيث قُتـ.ـل أكثر من 30 جندياً من القوات التركية جرّاء غارات جوية يرجح أن تكون شنتها طائرات تابعة للقوات الروسية.

جهوزية الفصائل

خرجت فصائل المعارضة السورية مطلع شهر مارس/آذار الفائت منهكة مشتتة عقب عامٍ كامل من المـ.ـواجهات العسـ.ـكرية ضد حلف نظام الأسد كما لا ينكر أنها خسرت عدة وعتاداً وكوادر كان صعباً خلال المعـ.ـارك المتواصلة تعويضها بالوقت اللازم، وقد علمت بلدي نيوز من مصادر قيادية في فصائل المعارضة السورية أنها أتمت تجهيزاتها العسـ.ـكرية لصد أي هجـ.ـمة متوقعة، كما خرّجت كل من “الجبهة الوطنية للتحرير” و”هيئة تحرير الشام” وفصيل “جيش العزة” نحو 1800 مقـ.ـاتل ممن تلقّوا تدريبات مكثفة في معسـ.ـكرات مغلقة طيلة الفترة الماضية.

القوات التركية عملت على تدريب نصف الألوية والكتائب العاملة في “الجبهة الوطنية للتحرير” على استخدام كافة الأسـ.ـلحة وسبل التمويه والتحصين وغيرها، ورفد جميع المقـ.ـاتلين الذين أكملوا تدريباتهم إلى نقاط المراقبة التركية ووضعهم تحت تصرف قيادة كل نقطة.

سيناريوهات متوقعة

إعادة هيكلة اتفاق “سوتشي”

عقب تطبيق اتفاق موسكو وإحالته إلى مجلس الأمن، تصاعدت الأصوات الأوروبية منادية برفض هذا الاتفاق ودعم العودة لاتفاق سوتشي، مما أعطى شرعية حقيقة للتواجد التركي في محافظة إدلب وأرياف المحافظات المجاورة، الأمر الذي قد تغتنمه أنقره لصالحها مطالبة باستكمال عملية “درع الربيع” التي لم تعلن عن إنهائها حتى اللحظة، بغرض إجبار قوات نظام الأسد وحلفائه على العودة لحدود سوتشي والتراجع خلف نقاط المراقبة المحاصرة، وإدارتها للمنطقة المنزوعة السـ.ـلاح الثقيل وضمان عودة التنظيمات الراديكالية إليها، خصوصاً أن القوات التركية في إدلب باتت قادرة على الدفاع والهجـ.ـوم عقب أشهر من تعزيز نقاطها العسـ.ـكرية بشكل يومي.

تطبيق اتفاق موسكو أو التعديل عليه

يشكّل الطريق السريع “حلب – اللاذقية” حلقة مفقودة في الامتيازات والعقود متوسطة الأجل التي حصلت روسيا عليها من نظام الأسد، ويعيق وصول الفوسفات والغاز من الشرق السوري إلى موانئها في طرطوس واللاذقية، مما قد يدفع بها لإطلاق عملية عسـ.ـكرية محدودة وسريعة تسعى من خلالها للسيطرة على الطريق وتأمين محيطه.

ومما يعزز وقوع هذا السيناريو تصريحات وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” في العاشر من مارس/آذار الماضي، حيث نوّه إلى أنّ المنطقة الواقعة جنوب الطريق M-4 “حلب – اللاذقية” ستكون تحت الرقابة الروسية، والمناطق الواقعة شمالاً ستكون تحت الرقابة التركية، وأنّ إعادة تأهيل الطريق وفتحه أمام الحركة التجارية ستكون عقب الانتهاء من تسيير الدوريات المشتركة بين القوات التركية والقوات الروسية في المنطقة الواقعة بين قرية “الترنبة” للغرب من مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي وقرية “عين حور” في ريف اللاذقية الشمالي.

تقاسم النفوذ

لا شك وأن رعاة مسار أستانا، خلطوا الأوراق بما يتماشى مع مصالحهم فإيران تكتفي بفتح قناة تربط طهران بجنوب لبنان وقد أنهت هذه المرحلة في نهاية العام 2018 وعليه لوحظ تقليص النشاط السياسي الإيراني فيما يتعلق بالملف السوري، بينما تبقى المصالح الروسية والتركية في حالة توتر وتماس دائم، روسيا التي تسعى لإدخال شركاتها والعمل في المناطق ذات الإنتاجية التي استولت عليها من نظام الأسد، لم يتبقَ أمامها للانتقال من مرحلة الحـ.ـرب لمرحلة الاستثمار سوى فتح الطريق السريع “حلب – اللاذقية”، في حين لم تنتهِ بعد تركيا من إنشاء “الممر الآمن” الذي يقضي بفرض سيطرتها على 30 إلى 35 كم من الأراضي السورية المحاذية لحدودها وإبعاد التنظيمات الكردية المناوئة لها عن حدودها.

حتى اللحظة لم تعلن تركيا عن تحقيق أهداف عملية “نبع السلام” أو إنهائها مما يدل على أنّها عازمة على انشاء الممر الآمن إما عبر التفاهمات الدولية بمساعدة روسيا، أو بالأعمال العسـ.ـكرية، وهذا السيناريو قابل للتطبيق وفق عمليات عسـ.ـكرية محدودة أقل من المتوقع حدوثها في إطار السيناريو الثاني.

المصدر: شبكة “بلدي نيوز”

مدونة هادي العبد الله