تخطى إلى المحتوى

فنانو سوريا الأحرار صفحة مشرقة في تاريخ الثورة السورية | رأي: هادي العبد الله

هادي العبد الله – سوريا – إدلب


مما لا شك فيه أن كل فرد في الشعب السوري قد قدم شيئاً أو دفع ثمناً ما إزاء أحداث الثورة التي اندلعت منذ تسع سنوات ونيّف في هذا البلد المسالم الوديع الذي حكمته عصابة جشعة وتصارعت عليه كل أطماع العالم، من سوريين فقدوا حبيباً أو عزيزاً إلى آخرين فقدوا منزلاً أو معملاً أو ممتلكات، بل إن البعض دفع حياته أو حريته أو سلامة جسده في خضمّ أحداث الثورة العارمة.


ووسط كل التضحيات التي قدمها الشعب السوري للخلاص من هذه الطغمة المجرمة التي حكمته لأكثر من نصف قرن، يظل ملف الفنانين السوريين المناصرين للثورة واحداً من أنصع صفحات تاريخ الثورة، ودليلاً قاطعاً على جمال هذه الثورة وأحقيتها ونبل مراميها، وصورة من صور التضحية بالرفاه والمصالح والمناصب في سبيل الحرية.


فمنذ قيام الثورة السورية في آذار مارس من عام 2011، شهدت الساحة الفنية السورية – بكل غناها وتنوعها – انقساماً واضحاً تماماً بين الفنانين السوريين، فمنهم من أيد ممارسات نظام الأسد تأييداً أعمى، ووقف في وجه تطلعات الشعب السوري للحرية والكرامة، وحفظ مصالحه – المرتبطة بمصالح النظام – بشكل جشع متعامياً عن سيول الدماء وصرخات المضطهدين.


ومنهم من التزم الحياد التام، ولم يصرح بأي موقف، متبعاً سياسة امساك العصا من المنتصف، وحاسباً – كما يقال – الحساب لخط الرجعة إلى كل من الطرفين في حال مالت الكفة إلى أحدهما، ومن أولئك من تأرجح في مواقفه في الجانبين، وانتهى به الأمر إلى العودة لحضن نظام الأسد في نهاية المطاف.

قلة قليلة فقط من الفنانين السوريين أيدت الثورة السورية تأييداً مطلقاً، ووقفت إلى جانبها بشجاعة، وبقيت ثابتة على هذا التأييد إلى يومنا هذا، محرقة كل مراكب العودة إلى أحضان النظام المجرم، ومؤكدة مناصرتها لمطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة.


وبالرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه الفنانون السوريون المتضامنون مع الثورة، من خلال تهميشهم وإبعادهم عن الساحة الفنية ومصادرة املاكهم بل وحتى اعتقالهم وتهديدهم، إلا أنهم ظلوا ثابتين على مواقفهم بشكل يدعو للاحترام.

وبينما تفرّق فنانو الثورة السورية اليوم في دول المنفى والمهجر، لا زالوا إلى اليوم يؤكدون في كل مناسبة على موقفهم الثابت من نظام الأسد، ومناصرتهم للقضايا العادلة التي يطالب بها الشعب السوري الثائر، غير آبهين بما آلوا إليه من حال وضيق وفقدان لمصدر رزقهم الأساسي.
أسماء الفانين السوريين المناصرين للثورة أكثر من أن تحصى، فهي بنوعها لا بكمها، وبأثرها العميق لا بكثرتها، ومن منّا لم يرفع القبعة لمواقف نبيلة صدرت من فارس الحلو، أو ميّ سكاف، أو عبد الحكيم قطيفان، أو فدوى سليمان، أو مازن الناطور، أو سميح شقير، أو جهاد عبدو، أو همام حوت، أو مكسيم خليل أوجمال سليمان وغيرهم؟


كثيرون منهم تم تهميشهم ونسيانهم، وغابوا تماماً – بقصد أو غير قصد – عن ساحات الفن والدراما والسينما، مكتفين بموقفهم الثابت الصلب من العداء للأسد، ومناصرة الشعب السوري في السراء والضراء، بل وحتى وافت المنية بعضهم وهم في المنفى، ليرحلوا عن هذا العالم محتفظين بموقفهم النبيل وذكرهم الطيب، كميّ سكاف، وفدوى سليمان.


وبعضهم تمكن من الوصول إلى النجومية العالمية بعد خروجهم من تحت ربقة عصابة الأسد وفرع المخابرات المدعو بـ “نقابة الفنانين” في سوريا المحتلة، ليثبتوا للعالم أجمع كيف أن سوريا كانت تضم مواهب عالمية بقيت سنيناً طوالاً مكبوتة تحت نير القهر وسلطة الأمن والاستخبارات والقمع، ومن أنصع تلك الأمثلة وأوضحها: جهاد عبدو، ومكسيم خليل.


ولعل أجمل ما جمع كل أولئك الفنانين السوريين الأحرار وأكد ثباتهم على مواقفهم، هو رحيل حارس الثورة السورية وبلبلها وأيقونتها “عبد الباسط الساروت” منذ قرابة عام، حيث أجمع كل أولئك الفنانين السوريين الأحرار على تأبين الساروت وترسيخه كرمز مقدس من رموز الثورة السورية، وذلك على اختلاف آراءهم ومذاهبهم وعقائدهم والبلدان التي استقروا فيها والمراتب النجومية التي وصل إليها بعضهم.

وبينما لا يزال البعض من مدّعي الثورة يتنكرون للساروت بحجج عديدة، ويتخوف البعض الآخر من ذكره للحجج ذاتها، لم يخَف فنانو الثورة السورية من رفع صور الساروت في قلب الميادين العامة ضمن قارات العالم الخمس، والجهر بمحبته والاعتراف بفضله على الثورة وأبناءها، مؤكدين – بهذا العمل – ثباتهم على موقفهم المناصر للثورة، وبأنهم كانوا ومازالوا أبناء هذه الثورة، وأبناء هذا الشعب العظيم النبيل، مهما عصفت العواصف، ومهما بدّل من بدل، وتخلى من تخلى.


مدونة هادي العبد الله