تخطى إلى المحتوى

قانون قيصر الأمريكي إلى أين وهل سيُسقط بشار الأسد ونظامه.؟

بخلاف ما توقعه الكثير بدت اﻷيام الأولى من تطبيق قانون قيصر “مستقرة” على صعيد سعر صرف الليرة السورية وما يعكسه ذلك عن اﻷوضاع الداخلية لنظام اﻷسد، ولكن بين من يرى ذلك استقراراً وهمياً ومن يرى فيه دلالة على وجود تضخيم لمآلات تطبيق القانون؛ تبقى اﻷيام المقبلة أكثر صعوبة على النظام السوري بلا شك.

إلى أي مدى سيصل الضرر بالنظام السوري والمواطن؟ ومَن المتضرر اﻷكبر؟ وهل يمكن لعقوبات على شكل قانون صارم أن تُسقط نظاماً ببنية عسكرية وأمنية وميليشياوية كهذه مع النظر إلى الدعم الكبير من الروس واﻹيرانيين؟

للإجابة على تلك اﻷسئلة استطلعت موقع نداء سوريا المعارض آراء خبراء ومحللين في المجالين السياسي والاقتصادي، حيث تنوعت لكنها لم تكن متباينة إلى درجة كبيرة، وأجمعت على أن للقانون تأثيراً كبيراً لكن القول الفصل يعود إلى مدى الجدية اﻷمريكية.

المحور اﻷول: هل انهيار سعر صرف العملة يعني انهيار اقتصاد النظام؟ وما تأثيره عليه؟


يرى وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة الدكتور “عبد الحكيم المصري” أن تقلب سعر الصرف يدل على تخبط وضعف في الاقتصاد وهو ما سيضر بالنظام السوري حيث إنه لا يملك عملة صعبة ولا صادرات ولا ناتجاً محلياً، وهو اليوم متضرر بخلاف السابق عندما كان يملك كميات من الدولار ويتلاعب به عن طريق عمليات قرصنة لسحب المال من جيوب المواطنين.

من جهته اعتبر المحلل السياسي السوري “فواز زاكري” أن انهيار سعر صرف عملة ما قد يكون لأسباب مختلفة منها اقتصادي ومنها سياسي لكن المهم هو نسبة انخفاضها ومدى تحمل اقتصادات الدولة التي انهارت عملتها اقتصادياً.

أما الخبير الاقتصادي السوري “يوسف شعبو” فقد رأى أن انهيار العملة أمر مؤثر بالفعل فقوة العملة هي جزء من قوة الاقتصاد وانهيارها سينعكس مباشرة على قدرة الاقتصاد وقوته وقدرته على الصمود وتدهور العملة يعبر عن حالة عدم الثقة بين المواطنين والحكومة التي تصدر العملة كما حدث سابقاً في ألمانيا وزمبابوي في السابق وفنزويلا اليوم.

وبالنسبة للنظام السوري فهو -وفقاً لرؤية “شعبو”- لا يتأثر بالانهيار الاقتصادي حاله حال اﻷنظمة الدكتاتورية في كوريا الشمالية وفنزويلا وصدام حسين الذي عاش لفترة طويلة مع العقوبات سابقاً فهذه الأنظمة تستطيع الانغلاق على نفسها والاستمرار.

التأثير اﻷكبر سيكون -بحسب “زاكري”- على المواطن السوري الذي يعيش في مناطق سيطرة النظام حيث سيكون هو المتضرر المباشر من بدء تنفيذ قانون “قيصر”، وفي إجابته على سؤال حول مدى إمكانية أن يضر ذلك بالنظام السوري قال: إن اﻷخير سيتضرر أيضاً لسببين رئيسيين: الأول: شحّ الموارد التي ستزداد بعد بدء تنفيذ القانون مما سينقص بشكل كبير قابليته على دعم الأعمال العسكرية التي يقوم بها ضد الشعب السوري وعلى الأجهزة الأمنية، والثاني أن انخفاض دخل المواطن الذي هو أصلاً ضعيف جداً سيؤدي إلى ازدياد النقمة ضدّ النظام، مما سيؤدي قطعاً إلى حركة عصيان مدني جديدة ضده.

لكن “الساحل هو الحاضنة الشعبية الأكثر إخلاصاً للنظام السوري” ولا يتوقع “زاكري” أن “تنهار بسهولة” جراء قانون “قيصر”، حيث يهدف القانون -وفقاً لشعبو- إلى تأليب الشارع الموالي على النظام السوري وإجباره على القبول بالتغيير والنظام يعي ذلك ويدرك أيضاً أن المظاهرات في السويداء مؤشر خطير خصوصاً أن سكان المحافظة لهم طابع مختلف ولا يستطيع اتهامهم باﻹرهاب أو التشدد الديني.

وأشار “شعبو” إلى أن المتضرر اﻷكبر هو المواطن والاقتصاد السوري وليس النظام فالمرحلة اﻷولى ستشمل الأفراد والشركات ثم مرحلة النظام المالي والبنك المركزي وهي المرحلة اﻷشد وبالنسبة للنظام فهو قادر على تخطي المرحلة، ولديه دائرة مغلقة اقتصادياً حيث يستطيع التحكم بأمواله ونقلها إلى الخارج ورغم أن “الضغط الشعبي سيشكل عبئاً على النظام لكنه لن يجعله يغير سلوكه طوعياً واﻷمر بحاجة لضغط دولي حتى يرضخ لتلك المطالب”.

من جهته اعتبر الوزير المصري أن النظام السوري سيتأثر بالقانون لكنه ولكونه فاسداً فسيعكس التأثير على المواطنين ويقول إن سبب ضررهم يعود إلى “قيصر” رغم أن القانون يتضمن مواد تسمح للرئيس الأمريكي بإدخال مساعدات غذائية عن طريق منظمات يحددها هو لذلك فإن الضرر الأكبر على المدنيين سيكون من النظام السوري نفسه.

المحور الثاني: هل سيعيق القانون الدعم اﻹيراني والروسي سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي؟


القانون موجَّه مباشرة إلى إيران وحزب الله أكثر من الروس، حيث كان هناك تفاهمات وتسويات سابقة بين الروس واﻷمريكيين في عام 2015 بخصوص قانون “قيصر” على عهد “أوباما” فواشنطن لا تريد الدخول في صراع مع موسكو بهذا الشأن، وقد صرّح العديد من الحزبين الجمهوري والديمقراطي؛ لذلك فسيكون الضغط على النظام من ناحية إيران، أما روسيا فلديها بعض المفاتيح وطرق الالتفاف مثل فتح طريق الـ “M4” بين مناطق سيطرة النظام السوري وميليشيات الحماية مما مكن من استمرار قوافل النفط وإمدادات القمح كنوع من التنفيس للنظام، وفقاً لرؤية “شعبو” التي تقول إن القانون ليس له جانب عسكري ولا يؤثر عليه من الناحية العسكرية باستثناء الحصول على بعض الجوانب بعض التجهيزات والقطع والمعدات العسكرية وإمدادات الوقود و”لا يوجد بند عسكري يوقف اﻵلة العسكرية بسوريا”.

أما الوزير المصري فقد بدا أكثر تفاؤلاً حيال القانون حيث قال إنه سوف يعيق الدعم الروسي واﻹيراني حيث تم تشديد العقوبات على طهران، وقد انخفضت وارداتها من بيع النفط بشكل كبير حيث انخفضت من 100 مليار دولار عام 2018 إلى 9.5 مليار دولار عام 2019 ثم إلى 2.5 مليار دولار عام 2020 كما أن انخفاض سعر النفط أثَّر على اقتصاد روسيا حيث انخفض إجمالي صادراتها من 280 مليار دولار إلى 180 مليار دولار إضافة إلى انخفاض سعر صرف الروبل وتراجع الوضع الاقتصادي لروسيا، وهو ما سيشلّ حركة النظام بكافة المجالات نتيجة عدم قدرة داعميه على الاستمرار في دعمه.

وحول وجود جانب عسكري للقانون أكد “المصري” أن القانون يتضمن بشكل مباشر عقوبات على قطاعَي الطيران والطاقة، وهو ما سيؤثر على حاجة النظام لقطع التبديل وتزويد طائراته وآلياته بالوقود.

ووافق “زاكري” على ما سبق بقوله: إنه من المؤكد أن بدء تطبيق القانون واستمرار تطبيقه بجدية سيعيق بشكل ملحوظ الدعم العسكري الإيراني والروسي مما سيؤدي إلى انخفاض قدرة النظام على الاستمرار في عملياته العسكرية بشكل ملحوظ لكن “هل سنرى تطبيقاً صارماً للقانون؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة”.

المحور الثالث: هل ستنجح الرؤية اﻷمريكية في فرض اللجوء إلى الحل السياسي عَبْر تطبيق القانون؟


أكد الوزير “المصري” أن العقوبات الاقتصادية عادة لا تؤدي إلى انهيار الأنظمة والدول، ولكنه يرى الوضع في سوريا مختلفاً، حيث توجد ثورة شعبية والنظام يعاني بعد 9 سنوات من حرب نتيجتها اقتصاد متهالك، كما أن الاتحاد الأوروبي جدد عقوباته لمدة سنة كاملة شملت داعمي النظام، ما سيؤدي إلى شلل اقتصادي تامّ سينعكس على العمليات العسكرية، حيث سيجد نفسه في لحظة معينة غير قادر على تزويد اﻵليات والطائرات بالوقود.

أما “شعبو” فقد رأى “ثغرة حقيقية” في القانون تتعلق باستثناء الموادّ الغذائية و”في حال قام الأسد بتنفيذ بعض الشروط كالعودة الطوعية للاجئين وإخراج بعض المعتقلين وإجراء تسويات وتغيير سياسي فمن الممكن للعقوبات أن تتوقف” وفي النهاية آلية العقوبات غير واضحة؛ من ستشمل؟ كيف ستُطبق؟ هل هناك استثناءات أكثر؟ هل سيكون فاعلاً؟ الإدارة الأمريكية تتحدث عن فاعليته، ولكن على الأرض ربما الوضع يختلف، وهناك ضبابية فيما يخص قدرة القانون على تحجيم النظام وداعميه، وفيما يخص تحجيم قدرته على استخدام اﻵلة العسكرية.

ولكن اﻷهم من القانون هو ما يتسبب به نظام اﻷسد نفسه -يقول “المصري”- فإذا نظرنا إلى ما قبل تطبيق قيصر فقد أصبحت سوريا تحتل المرتبة الأخيرة في كافة المرتبات المالية والاقتصادية وخسائر سوريا أصبحت وَفْق آخر تقدير الأسبوع الماضي تقريباً 530 مليار دولار، وقد تزيد؛ لأن النظام مستمر بالتدمير إضافة إلى الخلافات داخل النظام بين “رامي مخلوف” و”اﻷسد” وهو ليس بسبب 230 مليون ليرة، وإنما لأن “مخلوف” هرَّب الأموال للخارج دون أن يعطي للأسد أي أموال، حيث هرب جميع الأموال للخارج، وهو ما أثر على باقي التجار المؤيدين الذين هربوا مالهم للخارج أيضاً إضافة إلى عجز الموازنة المتراكم وتغطيته بطبع أوراق نقدية بدون غطاء إنتاجي مع العلم أن الإنتاج الأساسي وهو البترول ومحاصيل الزراعة أصبح كله خارج سيطرة النظام.

أما قانون “قيصر” فلا يهدف أساساً إلى إسقاط النظام -بحسب “شعبو”- إذ أعلنت واشنطن عن ذلك وإنما يهدف إلى تغيير سلوك النظام من أجل إجراء تغييرات قد تكون مقبولة لدى المعارضة والمجتمع الدولي و”لو كانت الولايات المتحدة تنوي إسقاط النظام لفعلت ذلك منذ سنوات، حيث كان اﻷمر متاحاً، ولكن سياستها دائماً تتمثل في الضغط على أنظمة كهذه واستخلاص كل ما لديها من مقدرات وتدمير البلاد بشكل تامّ حتى يتم الرضوخ لما تريده للخلاص من الحالة الراهنة” واليوم القانون سيؤدي إلى ضغط كبير سيدفع النظام للقبول بأي تسوية تطرحها في المستقبل على أن تتوافق مع المجتمع الدولي، خصوصاً روسيا، وليس دول إقليمية مثل تركيا أو إيران.

وعن “التخلخل الحاصل داخل عائلة اﻷسد” فإنه من غير المعلوم بعدُ “هل هو ناتج عن اقتراب تطبيق القانون، وهناك إعادة توزيع للكعكة السورية إضافة لعمليات البيع للروس واﻹيرانيين، فسوريا تشهد حالة اللادولة وانتشاراً للميليشيات وسيطرتها على اﻷرض” ، ورغم ذلك يقول “شعبو”: “لا أعتقد أن انهيارات ستحصل بسبب القانون”.

وفي النهاية يبقى اﻷمر مرهوناً بالنوايا اﻷمريكية الحقيقية التي لا تُقال في التصريحات المعلنة، فواشنطن تملك من الأوراق القوية الكثير مع الأخذ بعين الاعتبار بالطبع المصالح اﻹسرائيلية بالدرجة اﻷولى، وهي تتعلق مباشرة بمسألة إنهاء الوجود اﻹيراني من جهة ومنع انهيار نظام اﻷسد بشكل مفاجئ وواسع من جهة أخرى.

المصدر: موقع نداء سوريا