تخطى إلى المحتوى

وكالة فرنسية تكشف المصير الأسود لعناصر التسويات مع نظام الأسد

قبل نحو عامين، وقّع العسـ.ـكري المنشق سلام، اتفاق تسوية مع دمشق. وحين ذهب إلى مركز شرطة لتسجيل اسمه تمهيداً للعودة إلى خدمته في جيـ.ـش النظام “لم يعد”، وحصلت عائلته لاحقاً على رقم جثـ.ـة مدوّن على قصاصة، وفق ما يروي شقيقه أحمد لوكالة فرانس برس.

في الغوطة الشرقية قرب دمشق، في درعا (جنوب)، في حمص (وسط) وغيرها، خاضت قوات النظام معـ.ـارك ضارية ضد فصائل الثوار، وتمكنت بعد أشهر طويلة وأحيانا بعد سنوات من التقدّم على الأرض بدعم جوي روسي ومن مجموعات مسـ.ـلحة على رأسها حزب الله اللبناني المدعوم من إيران. ففرضت حصارات محكمة تسببت بوفـ.ـاة العشرات جوعاً بينما حصدت الغارات الجوية المكثفة حياة الآلاف. وانتهت المعـ.ـارك في مناطق عدة بتسويات نصّت على خروج المقـ.ـاتلين الى مناطق أخرى أو بقائهم في مناطقهم بعد تسليم سـ.ـلاحهم.

ورغم الاتفاقات، ذكرت مصادر أنه منذ 2018 اعتُقـ.ـل 219 شاباً على الأقل وافقوا على تسويات، أو وقّعوا على “اتفاقات مصالحة”، خصوصاً في درعا، تـ.وفي 32 منهم “على الأرجح تحت التعـ.ـذيب أو بسبب ظروف صحية سيئة” في المعتقـ.ـلات.

في صيف 2018، وقّع أحمد (40 عاماً)، المقـ.ـاتل السابق في أحد فصائل الثوار، مع شقيقه سلام (26 عاماً حينها)، الأب لطفلين، اتفاق التسوية في درعا.

وانضمّ أحمد الذي استخدم اسما مستعارا خوفاً من الملاحقة أمنية، إلى “الفيلق الخامس”، وهو فصيل أسّسه الروس ضمن قوات النظام، فيما كان على سلام الذي انشقّ عن الجيـ.ـش في 2012 لينضم الى فصائل الثوار، العودة إلى خدمته العسـ.ـكرية.

ويقول أحمد “اتصل بي قائلاً إنه سيسلّم نفسه، حاولت منعه لكنّه أصرّ. ذهب ولم يعد”. ويضيف “وقّع شقيقي وثيقة التسوية ومدّتها ستة أشهر، ثم توجّه قبل شهرين من انتهاء المهلة، في أواخر 2018، إلى مركز للشرطة العسـ.كرية في دمشق ليسلّم نفسه ويعود إلى قطعته العسـ.ـكرية”.

منذ ذاك الحين، انقطعت أخباره. وحين سأل أفراد عائلته عنه تسلموا ورقة كُتب عليها بخط اليد رقم الجثة وتاريخ الوفاة في 2019.

يُشكّك أحمد بوفاة شقيقه خصوصاً أنهم لم يتسلموا الجثة. وإن صحّت وفاته، يُرجِّح أن تكون نتيجة “التعـ.ـذيب أو ظروف اعتقال”. ويقول “وافقنا على التسوية غصباً عنّا لنحمي أنفسنا، لكن شقيقي لم ينج”.

وأحصى مكتب “توثيق الشهـ.ـداء في درعا”، وهي مجموعة محلية نشأت العام 2012 لتوثيق قتـ.ـلى النزاع، وفـ.ـاة 14 منشقاً سابقاً عن النظام منذ تسوية درعا، منهم من سلّم نفسه ومنهم من اعتُقـ.ـل على حواجز. ولم يسلّم النظام أي جثـ.ـة أو يحدّد مكان دفنها.

النظام لم يلتزم باتفاقات التسوية

وتقول الباحثة المتخصصة في الشأن السوري لدى منظمة العفو الدولية ديانا سمعان إن اتفاقات التسوية تضمّنت وعوداً بينها “وقف الاعتقـ.ـالات التعسفية، لكنّ النظام لم يلتزم بكل بنودها، سواء في حمص أو درعا أو ريف دمشق، وواصلت اعتقـ.ـال أشخاص تعسفياً حتى… بعد حصولهم على بطاقات تسوية”.

وتضيف “الناس المقيمون في مناطق سيطرة النظام، خصوصاً حيث تمّ التوصل إلى مصالحات، ما زالوا مهدّدين بالاعتقـ.ـال التعسفي والتعـ.ـذيب والمـ.ـوت في الحجز”.

ويشرح الناشط عمر الحريري من مكتب “توثيق الشهـ.ـداء في درعا”، أن “التسوية لا تشمل حماية من قضايا جنائية، لذلك تمّ اختراع ملفات جنائية لأشخاص كثر من أجل القبض عليهم، ورُفعت على آخرين شكاوى عشوائية كإشكال مثلاً مع شخص ما”.

ويوضح “حتّى اليوم، لم يشن النظام حملات أمنية واسعة على المنازل في درعا، بل يعتقـ.ـل الأشخاص على الحواجز أو بناء على إخبار”.

ومنذ بدء النزاع العام 2011، دخل نصف مليون شخص إلى سجـ.ـون النظام، قضى مئة ألف منهم على الأقل تحت التعـ.ـذيب أو نتيجة ظروف اعتقـ.ـال مروعة.

ثأراً للشهـ.داء تحت التعـ.ذيب.. سرايا قاسيون تستهدف حاجزاً لفرع الأمن العسـ.ـكري بريف دمشق وتعلن عن الخسائر

المصالحات واجهة لإيهام الناس

وتتمكن المنظمات الحقوقية في درعا من توثيق الاعتقـ.ـالات، على عكس ما هي الحال في مناطق أخرى استعادتها دمشق، إذ بقي غالبية مقاتـ.ـلي الفصائل في درعا، ونصّ اتفاق التسوية الذي وقعوه برعاية روسية على أن يحتفظوا بأسـ.ـلحة خفيفة ويتولوا حفظ الأمن في مناطقهم، فيما تنتشر قوات النظام في محيطها.

وتقول الباحثة المتخصصة في الشأن السوري في منظمة “هيومن رايتس ووتش” سارة كيالي “نظراً إلى عدد حالات الاعتقـ.ـال التي وثّقناها رغم التسوية أو واقع استمرار حالات الوفـ.ـاة في الحجز والتعـ.ـذيب، يبدو واضحاً أن اتفاقات التسوية في الوقت الحالي ليست إلا واجهة لإيهام الناس”. وتعتبر أن الاعتقـ.ـالات “ترسل إشارة سيئة جداً لمن يفكرون بالعودة (إلى سوريا) كونهم ملزمين بتوقيع تسويات”.

ويتحدث مصدر في منظمة حقوقية توثق الاعتقـ.ـالات عن “ثلاثة أشقاء، اثنان قـ.ـاتلا مع مجموعة مسـ.ـلحة وثالث لم يكن له أي دور، تمّ توقيفهم بعد خمسة أيام من توقيعهم التسوية في درعا.. وما زالوا مختفين منذ 2018”.

في 2014، وبعد حصار محكم ومعـ.ـارك عنيـ.ـفة، خرج المقـ.ـاتل في فصائل الثوار عمر (25 عاماً في حينه) من المدينة القديمة في حمص على أساس اتفاق بين المقـ.ـاتلين والأفرع الأمنية ينص على فترة تحقيق ومهلة ستة أشهر قبل العودة إلى صفوف جيـ.ـش النظام. لكنه عوضاً عن ذلك، احتجز أشهر عدة مع مقـ.ـاتلين آخرين في مدرسة، قبل أن يُنقل إلى سجن صيدنايا الذائع الصيت.

ويقول شقيقه، مفضلاً عدم كشف اسمه، “طوال أربع سنوات، دفعنا مبالغ مالية لإبقائه على قيد الحياة في صيدنايا. خرج بعد ذلك ووجد نفسه مجبراً على الالتحاق بصفوف النظام”. ويضيف “يتمنى الفرار مجدداً، يشعر أن يديه مقيدتان، وليس باليد حيلة”.

المصدر: وكالة فرانس برس (بتصرّف)