تخطى إلى المحتوى

تهاوي الاقتصاد والانهيار المتسارع لليرة السوريةالأسباب والتداعيات

عصـ.فت أزمـ.ـات اقتصادية طـ.ـاحنة بالاقتصاد السوري وعملته المحلية منذ انطلاق الثورة السورية في ربيع عام 2011، ولم يكن السبب هو الثورة ذاتها بقدر ما كان تعـ.ـاطي نظام الأسد مع هذه الثورة أمنياً وعسـ.كرياً، وإصراره الشديد على قمـ.ـعها بالحديد والنار، دون النزول عند المطالب المحقة للشعب السوري.

فالرد العسكري والأمني ضد الثورة السورية التي بدأت سلمية – وحولها النظام ببـ.ـطشه وجبـ.ـروته إلى ثورة مسـ.ـلحة في وقت لاحق – هو الذي أدى إلى انهـ.ـيار الاقتصاد تبعاً لعوامل داخلية وخارجية، تصاعدت بالتدريج وبشكل متزايد إلى أن أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم.

فخارجياً، ردت الدول العربية والغربية على النظام بمقاطعة كاملة له سياسياً واقتصادياً، بفرض عزلة شبه كاملة عليه، بل وفرض عقـ.ـوبات هائلة على مؤسساته وأشخاصه ورجال الأعمال الكبار الذين يعتمد عليهم، عدا عن اضطرار النظام لإنفاق كل موارد الدولة في سبيل تغذية آلته العسكرية، ورهن كل ثروات ومقدرات البلاد للدول الأجنبية التي ساندته ودعمته، لقاء تثبيت حكمه فقط.

أما داخلياً، فقد أدى انعدام الأمن وانهيار مؤسسات الدولة وتفكك النظم الاقتصادية الحاكمة للمجتمع السوري إلى المزيد من التردي في مجال الاقتصاد، ناهيك عن الدمـ.ـار الهائل الذي أصاب البنية التحتية كل شتى مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، بسبب الحرب الشعواء التي زج نظام الأسد كافة أطياف الشعب السوري فيها.

إقرأ أيضاً : فيصل القاسم يقدم لبشار الأسد حلاً وحيداً لإيقاف انهـ.يار الليرة السورية

ومع كل ذلك، يمكننا القول وبكل ثقة بأن الأزمـ.ـة الاقتصادية الطاحنة التي يشهدها نظام الأسد مؤخراً – خلال الأشهر الخمسة الأخيرة ربما – هي الأعـ.ـنف والأشد ضـ.ـراوة، والتي ربما ستكون مفصلاً هاماً في تحديد مصير هذا النظام نفسه مستقبلاً.

فرغم المحاولات اليائسة لنظام الأسد من خلال حكومته المشلولة المريضة لبعث رمق أخير في أنفاس الاقتصاد المتهالك والليرة المنهارة، تستمر الليرة بالهبوط أكثر وأكثر، ويزداد وضع الاقتصاد سوءاً يوماً بعد يوم.

إذ لم يفلح اجتماع دعم الليرة الذي عقدته حكومة الأسد في أواخر أيلول سبتمبر من العام الماضي بتقديم أي حل حقيقي من أجل الليرة، وذهبت كل الوعود بإنشاء “صناديق الدعم” أدراج الرياح! كما لم تفلح محاولات النظام لا بالترغيب ولا بالترهـ.ـيب في شفط أكبر قدر ممكن من الثروة من جيوب رجالاته وأركان اقتصاده من حيتان المال.

فما إن خرج رئيس حكومة النظام “عماد خميس” آنذاك ليعلن بأن خزينة الدولة فارغة من القطع الأجنبي، وليعلن معها ما أسماه بـ “حملة مكافحة الفساد”، حتى انقلبت الأمور في البلاد رأساً على عقب، في محاولة من نظام الأسد ضـ.ـرب ثلاثة عصافير بحجر واحد.

أهداف الحملة

فتلك الحملة المزعومة كانت رغبة من نظام الأسد لتحصيل أكبر قدر ممكن من الثروات الضخمة من جيوب رجاله، والتخلص من أولئك الرجال أنفسهم بعد أن باتوا “قضية خاسـ.ـرة” أو “كرتاً محـ.ـروقاً”، وفي الآن نفسه، استعراض عضلات القوة “والإصلاح” لامتصاص نقـ.ـمة قاعدته الشعبية وقطيع مؤيديه الذين ارتفعت سوية غضـ.ـبهم وحنـ.ـقهم بسبب التـ.ـردي المعيشي كما لم يحدث من قبل.

ومع ذلك، لم تفلح تلك الحملة إلا في تنبيه حيتان المال إلى خطـ.ـورة أوضاعهم، ليهربوا من البلاد الواحد تلو الآخر، او على الأقل، يقوموا بتـ.ـهريب أموالهم بطريقة ما إلى خارج البلاد، الأمر الذي زاد وضع الاقتصاد سـ.ـوءاً على سـ.ـوء.

إضافة إلى ذلك، فقد أتت الاحتجـ.ـاجات الشعبية العارمة في كل من لبنان والعراق وإيران – الحلفاء الإقليميين الأهم لنظام الأسد وخزانه الاقتصادي الرديف – لتزيد الطين بلة بالنسبة للنظام ورجال اقتصاده، وخاصة بالنسبة إلى لبنان الذي كانت بنوكه بمثابة البنوك السويسرية بالنسبة لرجال النظام وأركان اقتصاده.

وقد كانت الاحتجاجات الشعبية في لبنان ضـ.ـربة قاصـ.ـمة بكل معاني الكلمة لاقتصاد نظام الأسد – أو بالأحرى ثروات رجاله وأركانه – إذ تسبب الاحتـ.ـجاجات بأزمـ.ـة المصارف المعروفة وإغلاقها او محدودية عملها، عدا عن التعليمات الامريكية بإيقاف تحويل الدولار إلى سوريا عبر أي مصرف أو شركة للصرافة بأي شكل من الأشكال.

الدَين الروسي

وتأتي كل هذه الأزمات الطاحـ.ـنة المتعاقبة، بعد ما أشيع عن مطالبة روسيا لنظام الأسد بتسديد دين ضخم مترتب عليه بسبب الدعم العسكري والاقتصادي الآتي من روسيا منذ بداية الثورة السورية، ما أفرغ خزانة نظام الأسد بالكامل، إضافة لاضطراره لسحب ثورة ابن خاله العزيز “رامي مخلوف” بالقوة والترهـ.ـيب، من أجل تسديد هذا الدين، كما أشيع من عدة مصادر.

قانون قيصر

كل ذلك، ولم يبدأ بعد تنفيذ قانون “قيصر” الذي أصبح نافذاً منذ أواخر الشهر الماضي، والذي سيكفل حـ.ـصاراً اقتصادياً كاملاً ليس على النظام الأسديّ فحسب، إنما على كل كيان يدعمه ولو بمسمار، بدءاً بالدول، وانتهاءً بالأفراد. فتخيلوا كيف سيكون الوضع فيحال تم تطبيق هذا القرار، ونظام الأسد أصلاً بات منهـ.ـاراً اقتصادياً بالكامل!

وهكذا لم يبق لنظام الأسد إلا الاستقواء على من تبقى من رجال الأعمال الصغار – والفاسـ.ـدين الصغار أيضاً – لجمع أكبر ما يمكن جمعه من أجل تحسين الوضع الاقتصادي، لا حباً بالشعب ولا حباً باقتصاد الوطن، ولا حتى من أجل ملء جيوب آل الأسد وحاشيتهم، فأرصدتهم في سويسرا تبلغ أرقاماً فلكية!

إنما يهدف النظام من أجل كل تلك الحركات إلى أمرين: الأول هو تمويل آخر حملاته ضد آخر معاقل الثورة في إدلب، والثاني هو امتصاص النـ.ـقمة الشعبية التي بدأت تنمو في وسط لطالما كان مؤيداً له إلى أقصى الحدود، إلا أنه لم يعد كذلك بعد أن وصل الأمر به حد الجوع الكـ.ـافر، ليكـ.ـفر به وبكل شعاراته منبئاً بميلاد موجة جديدة من الثورة ضده، ثورة قد تقلب كل الموازين في سوريا قريباً.

هادي العبد الله – إدلب – 18/1/2020

مدونة هادي العبد الله