تخطى إلى المحتوى

صحيفة لبنانية: أهداف قيصر أهم من قضية استبدال الأسد فحسب.. وروسيا تطرح بشار للبـ.يع ثم تشتريه مرة أخرى!

قد يكون المبرر الوحيد لاجتماع ثلاثي أستانة يوم الأربعاء هو التأكيد على وجود الثلاثي، وعلى دوره في تقرير مستقبل سوريا، أي أن الدافع وراء انعقاده ليس أمنياً كما كان حال أغلب الاتصالات والتفاهمات بين أطرافه.

الوضع العسـ.ـكري لم يكن محور الاجتماع “أو ما رشح عنه” سلباً أو إيجاباً، والأرتال العسـ.ـكرية التركية التي تواصل اجتياز الحدود تؤشر إلى مناخ عدم الثقة.

ففي الطرف الآخر لم يتوقف الزج بحشود إضافية من قبل قوات الأسد أو الميليشيات الإيرانية، والوضعية الحالية هي الاستعداد لمعـ.ـركة لا تسمح الظروف بالشروع بها.

ثلاثة أحداث سبقت الاجتماع

ثلاثة أحداث سبقت الاجتماع، لا بد أن يكون شبحها حاضراً فيه. أولها تصريح نتنياهو الموجّـ.ـه لبشار الأسد، حيث كان صريحاً جداً بإبلاغه أن بقاء الميليشيات الإيرانية في سوريا يعني زوال حكمه.

دخول قانون قيصر حيز التنفيذ كان قد سبق تصريح نتنياهو، وسرعان ما ظهرت آثاره الحادة على الليرتين والاقتصادين السوري واللبناني. ليأتي مؤتمر الدول المانحة ببيان واضح مفاده عدم تمويل إعادة الإعمار قبل إنجاز عملية سياسية تستند على قرارات الأمم المتحدة، صيغة البيان ظهرت متممة وداعمة لقانون قيصر.

البيان الرسمي الصادر عن اجتماع الثلاثي تجاهل الخوض مباشرة في الأحداث السابقة، لكن ثمة مثلاً إشارة لا تستهدف إضحاك القارئ مفادها عدم الاعتراف بقرار إسرائيل ضم الجولان، وكأن كافة مشاكل وأزمات سوريا الراهنة الملحة قد حُلّت.

هي بالطبع إشارة مـ.ـوجّهة إلى تل أبيب، مثلما التأكيد على وحدة الأراضي السورية مـ.ـوجّه إلى واشنطن التي لا يستطيع أحد منازعتها على أماكن نفوذها، وهذا التأكيد لا يرضي فقط الهواجس التركية إزاء المسألة الكردية وإنما هواجس طهران والأسد أيضاً إزاءها.

مكاسب دول أستانا من القمة

إجمالاً، حصلت موسكو من القمة على الدعم السياسي الذي تريده، وكذلك هو حال طهران، بينما حصلت أنقرة على مكسبين هما الحفاظ على الهدنة وإقرار موقفها من المسألة الكردية.

البيان لم يغلق الباب رسمياً أمم التسوية المطلوبة دولياً، لكن المنحى العام له داعم للموقف الروسي الذاهب إلى التشـ.دد في مواجهة العقـ.ـوبات الغربية باستغلال أزمة طهران المزمنة مع الغرب ومشاكل أنقرة المستجدة معه.

وكالة الأنباء الأسدية “سانا” نشرت نص البيان، بما يوحي بالترحيب به، وبأن الأسد حصل على اطمئنان يحتاجه بعد ازدهار التحليلات عن اقتراب موسكو من التضـ.ـحية به.

كأن موسكو بين الحين والآخر تعمد إلى طرح بشار للبيع، ثم تعاود شراءه لأنها لا تحصل على سعر مجزٍ، أو حتى لعدم وجود راغبين في الصفقة.

هذا ما يمكن فهمه من مواسم الضغط عليه وتسريب الأخبار عن عدم تمسكها بأشخاص، ثم التراجع عن تلك التسريبات التي لا يبدو أنها تلقى الاهتمام الكافي من قبل الزبائن المنتظرين.

اقرأ أيضاً: تعليقاً على اجتماع أستانا.. كتاب أتراك: بشار الأسد انتهى وسوريا على أبواب هذه المرحلة القادمة

تصفير مشكلة الأسد

منذ تدخلها العسـ.ـكري المباشر عملت على ما يسمى تصفير مشكلة الأسد، أي الوصول إلى إضعافه فلا يكون بقاؤه أو عدم بقائه العقبة الرئيسية أمام التسوية، وصولاً لأن تصبح التضـ.ـحية به مع تأهيل النظام عملية غير شاقة إذا اتُفق عليها.

الغرب لم يكن بعيداً عن السعي الروسي بل كان مسانداً له، وإسرائيل كانت مطالبها من بشار واضحة ومقتصرة على تحلله من النفوذ الإيراني، ومن المرجح أنها تفضّل بقاءه ضمن شروطها.

ما أضافه قانون قيصر على هذا الصعيد أنه لم يطالب بتنحية بشار، بل وضع سلة من الأهداف هي بمثابة سقف أعلى من استبداله بشخص آخر، وكذلك هو ما ذهبت إليه الدول المانحة التي أتى موقفها صارماً في موضوع إعادة الإعمار.

المواقف الأمريكية والغربية والإسرائيلية وقسم مهم من نظيرتها الخليجية يُفترض بها أن تصب في مصلحة موسكو، فهي جميعاً تقرّ بالوجود الروسي الحالي والمستقبلي، بل تشجع على تعزيزه.

العقدة في ما هو مطلوب من موسكو، وينصب على مسارين؛ الإمساك التام بالبنية العسـ.ـكرية والمخابراتية التابعة للأسد بحيث لا تكون عائقاً أمام التسوية المقبلة، وتحييد النفوذ الإيراني من أجل الهدف ذاته وضمن السعي إلى تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة.

قيل سابقاً الكثير عن الدرس العراقي الذي تتحاشى واشنطن تكراره، لذا هناك إحجام من الإدارات الأمريكية ومن الرأي العام عن التدخل لإسقاط أنظمة.

للدرس العراقي، وإلى حد ما الدرس الأفغاني، وجه آخر هو القوة البديلة التي تملأ الفراغ، ورأينا في الحالة العراقية كيف أخلت واشنطن الساحة لطهران، وهذا درس ربما تحرص واشنطن على عدم تكراره بقدر حرصها على عدم التدخل العسـ.ـكري.

تطور أساليب إسقاط الأنظمة

تطوّرت المفاهيم والأدوات منذ مـ.ـواجهة التدخل الروسي في أفغانستان ثم التدخل لإسقاط صدام، فلم تعد واشنطن تحتاج للزج بقواها التقليدية من أجل تحقيق أهدافها.

من هذه الجهة، لا يشبه قانون قيصر العقـ.ـوبات التي فُرضت على نظام صدام حسين، لا من حيث الأسباب ولا الأهداف ولا الأدوات.

الاختلاف الأهم قد يكون في أن العقـ.ـوبات بموجب قانون قيصر هي أمريكية وليست دولية، وخلال زمن قياسي أثبتت العقـ.ـوبات الأحادية مفعولها، وأهم ما كشفت عنه الهشاشة الشديدة للقوى المستهدفة به مباشرة ومَن خلفها.

الحديث عن فشل سلاح العقـ.ـوبات يصحّ بوجود خصوم هم عبارة عن عصابات ومافيات لا تكترث بالأوضاع المعيشية للشعوب، وما يعيبه قلة الانتباه إلى قدرة هذا السـ.ـلاح على تحميل قوى طامعة استراتيجياً مسؤولية دول فاشلة تصبح عبئاً عليها، مع التأكيد على أن الشعوب لا قيمة معتبرة لها في ميزان الجانبين.

شروط شراء الأسد

قد تراهن طهران على الصمود خلال الأشهر القليلة القادمة بأمل نجاح الديموقراطيين في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهذا ليس حال موسكو التي تتخوف من نجاحهم بعد سلسلة من مساعيهم لإثبات دعمها ترامب.

وفي كل الأحوال، لن يفيد موسكو عرض بشار للبيع على غرار التلميحات والتسريبات السابقة، فهي لن تجد زبائن إلا إذا كانت الصفقة تتضمن أولاً إبعاد النفوذ الإيراني والاستفراد بالبنية العسـ.ـكرية والمخابراتية الأسدية.

رغم كل ما يُشاع عن تعاظم النفوذ الروسي، تتقاسم موسكو وطهران النفوذ على 60% من الأراضي السورية، وعلى نسبة أقل من المساحات المفيدة اقتصادياً، وهي أقل بكثير مع احتساب العقـ.ـوبات والحصار.

بالمفهوم التقليدي للصـ.راعات، ليس هناك من ينافس بوتين على مطامعه، ومصدر الإزعاج اليوم هو القول له: هنيئاً لك بما أحرزته وهنيئاً لك ببشار الأسد أيضاً.

الكاتب: عمر قدور
المصدر: صحيفة “المدن” اللبنانية